يحيي العالم غدا، اليوم العالمي ضد تشغيل الأطفال. والمشهد في تونس هو نفسه الذي يتكرر كل عيد... أطفال سعداء بمرافقة ذويهم لاقتناء ملابس جديدة وآخرون أقل حظا، حتمت عليهم الظروف بيع تلك الملابس... تونس «الشروق»: قد تكون أنت الذي يقرأ الآن هذا المقال من اعترض أحدهم في نهج شارل ديغول أو شارع جمال عبد الناصر أو في ساحة برشلونةبتونس العاصمة وقد يكون أقنعك كذلك واحد منهم واشتريت منه زوجا من الجوارب أو لعبة بلاستيكية لطفلك. والأطفال الذين اضطرتهم ظروفهم الاجتماعية الى العمل رغم صغر سنهم يعدون بالآلاف في تونس. وهم منتشرون لا في شوارع العاصمة والمدن الكبرى فقط بل كذلك في الحقول والضيعات والمصانع والورشات وحتى في حضائر البناء...إحصائيا، يبلغ عدد الأطفال التونسيين الناشطين اقتصاديا، وفقا للمسح الوطني الذي أعده معهد الإحصاء ووزارة الشؤون الاجتماعية ومنظمة العمل الدولية أكثر من 215 ألف طفل. ولهواة النسب، يمثل هذا العدد ما يناهز العشرة بالمائة من مجموع الأطفال في تونس البالغ تعدادهم حسب الإحصاء السكاني لسنة 2014 نحو 2 مليون و273 ألف طفل. وتتراوح أعمار هؤلاء الأطفال الناشطين اقتصاديا ما بين 5 و17 سنة. ويشتغلون في الزراعة والتجارة والصناعة والنقل وكمساعدين للحرفيين في مجالات الحلاقة والنجارة والحدادة والبناء. والغريب أن الدولة تقر بأن تشغيل الأطفال جرم يعاقب عليه القانون. ومع ذلك تغض مصالحها ودوائرها المختصة الطرف عن هذه الانتهاكات الصارخة. وقل وندر أن تدخلت مصالح حماية الطفولة لوضع حد لهذه المآسي. «جيب عشاك»...! ماذا يمكن أن يدفع بطفل الى العمل وهو في سن يفترض أن يكون فيها جالسا على مقعد وكل تركيزه موجه نحو معلمه لولا الفقر وعدم قدرة آلاف العائلات التونسية على رعاية صغارها وتوفير الحد الأدنى من مستلزمات النجاح في الحياة لهم. لذلك ينقطع حوالي 100 ألف تلميذ عن الدراسة سنويا. ويخرج أغلبهم الى الشارع للبحث عن شغل ومتى فشلوا في ذلك، انخرطوا في الانحراف والسرقة والتشرد. هذا الوضع يفسر في جزء منه اضطرار 179 ألف طفل تقل أعمارهم عن 16 سنة، أي ما يناهز 7.9 في المائة من مجموع أطفال تونس الى العمل. وهي الفئة العمرية التي يجرم القانون تشغيلها. ولا تحرك الدولة ساكنا و136 ألف طفل يشتغلون في مهن خطرة، أو في ظروف صعبة ترتقي في بعض الأحيان الى درجة العبودية والأفعال التي يمنعها القانون. وحسب المسح الوطني المشار اليه سابقا، يستأثر القطاع الزراعي بالنسبة الأكبر من عمالة الأطفال. حيث يشتغل نحو 48.8 في المائة من الأطفال في أعمال الحرث والزرع وجني الزيتون والخضر والغلال. ويشغل قطاع التجارة نحو 20.2 في المائة في حين يشتغل نحو 30 بالمائة في قطاعات الصناعة والبناء والنقل والحرف. وجغرافيا، تعد منطقة الشمال الغربي أكبر مشغل للأطفال ب28 بالمائة تليها مناطق الوسط والجنوب وتونس العاصمة. «غدوة نحرق»...! استاء الرأي العام في تونس. وتحركت منظمات الطفولة ونشطاء المجتمع المدني ضد أغنية « يا ليلي...يا ليلي» لمغني الراب «بلطي» وذلك بسبب تشريكه في الغناء طفلا يحلم بالهجرة خلسة الى أوروبا. والحقيقة أن هذه الأغنية لم تجانب الصواب بل عكست واقعا تونسيا خالصا وصادقا. فعدد الأطفال الّذين تجاوزوا الحدود أو حاولوا ذلك في تزايد مستمر. ولا أدل على ذلك من عددالأطفال الذين لقوا حتفهم مؤخرا في عملية الإبحار خلسة التي شهدتها جزيرة قرقنة. الى ذلك كشفت إحصائية أصدرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في بداية هذه السنة عن تمكن 544 طفلا تونسيا من الإبحار خلسة وبلوغ السواحل الايطالية. كما عبر المنتدى عن قلقه إزاء ظاهرة الهجرة السرية للأطفال مؤكدا على أن هذه الظاهرة في تزايد مستمر. إذ تم خلال شهر فيفري الفارط فقط إيقاف 50 طفلا بميناء حلق الوادي تتراوح أعمارهم بين 13 و17 سنة ينحدرون من مختلف ولايات الجمهورية اعترفوا بأنهم كانوا يخططون لتسوّر الجدار الخارجي للميناء قصد التسلل الى إحدى البواخر التجارية الراسية بالميناء وذلك قصد السفر الى أي بلد اقتناعا منهم من أن بلدهم تونس لم يعد يرغب فيهم. يبدو هكذا نعلم كيف يستعدي أطفالنا الوطن... أرقام ودلالات 544 طفلا تونسيا تمكنوا من الإبحار خلسة 215 ألف طفل عامل في تونس. 136 ألف طفل يشتغلون في مهن خطرة.