لطالما طوّقت هيئةَ الحقيقة والكرامة منذ بعثها عديد الانتقادات وحامت حول رئيستها سهام بن سدرين عديد الاتهامات المختلفة من قبيل "المتفردة بالقرار" و "الدكتاتورة في تسيير شؤون الهيئة" ، إلى غير ذلك من المؤاخذات التي لم تنفكّ تُوجّه إليها .. و تعلو مؤخرا أصوات غاضبة وجهت أصابع الإتهام إلى الهيئة ككلّ تزعم أنها تعمدت حرمان ضحايا العهد البائد من الحصول على مستحقاتهم المادية لجبر الضرر الحاصل إليهم وذلك من خلال تعطيل مسار بعث صندوق "الكرامة".. وما انفكّ هذا الصندوق الذي أحدث بمقتضى الفصل 92 من قانون المالية لسنة 2014 وتم التنصيص عليه ضمن قانون العدالة الانتقالية يشغل الرأي العام سيما وقد تعطل مسار إحداثه لما يناهز ال4 سنوات. و تدور المشاورات واللقاءات في الفترة الأخيرة من اجل التوصل إلى صيغة نهائية لمشروع الأمر الحكومي المتعلق بإحداث صندوق الكرامة ورد الاعتبار خاصة أنه لم يعد يفصل المدة القانونية لانتهاء عمل هيئة الحقيقة والكرامة سوى ستة أشهر . ولعلّ مسألة إدارة الصندوق تعدّ أبرز المسائل التي عطلت إحداثه ، إذ ما انفكّ الجدل يطوق الملف في هذا الخصوص حول من يدير الصندوق الحكومة او الهيئة او إدارة مستقلة عن الاثنين وكيفية التصرف فيه، كما شكلت جملة من الإشكالات الموضوعية والمالية المتعلقة بموارد الصندوق وكيفية صرف التعويضات ، فضلا عن خلافات سياسية ومنهجية تمحورت حول طريقة تعاطي هيئة الحقيقة والكرامة مع ملفات ضحايا الاستبداد وطرق جبر الأضرار والتعويض.. و تشير التوقعات إلى أن عدد ضحايا الاستبداد الذين سيتم إحالة ملفاتهم على صندوق الكرامة للتعويض وجبر الضرر بعد تدارسها نهائيا والتأكد من صحة وقائعها وبعد تمسك أصحابها بالتعويض المالي والمعنوي يقدر بالآلاف وقد يفوق عددهم ال10 آلاف ملف جلهم من المساجين السياسيين .. علما ان هيئة الحقيقة والكرامة تلقت منذ انطلاق عملها أكثر من 60 ألف ملف متعلق بالعدالة الانتقالية تغطّي 60 سنة تقريبا من تاريخ تونس بداية من سنة 1955 الى حدود 2013.. جدير بالذكر أنه خلال الفترات الأخيرة وجهت مجموعة من مكونات المجتمع المدني تضم جمعيات ومنظمات وطنية على غرار رابطة قدماء الاتحاد العام التونسي للطلبة وجمعية مناضلات تحدين القضبان والرابطة التونسية للحقوق والحريات والجمعية الدولية للدفاع عن المساجين السياسيين ، أصابع الإتهام إلى رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة بالفساد المالي والإداري، إذ حمّلتها مسؤولية تعطيل بعث "صندوق الكرامة" الذي يتكفل بصرف التعويضات المادية لضحايا النظام السابق. و أكدت المنظمات أن بن سدرين تتلكأ في بعث صندوق الكرامة لجبر الضرر المادي من أجل تحقيق أهداف سياسية. و كانت الحكومة قد تقدمت بمشروع قانون يتعلق بإحداث صندوق الكرامة إلا أنه لم يتم تفعيله ، بستة عراقيل تسببت فيها هيئة الحقيقة والكرامة. و قد رفضت سهام بن سدرين مشروع القانون بتعلة أنه "لا يحقق تطلعات الضحايا ولا يضمن لهم سبل عيش كريم ولا يهتم بالتنمية وحقوق الضحية" ، و هو ما شككت فيه الجمعيات المشاركة في الندوة الصحافية ، مؤكدة أن المبررات التي سوقتها بن سدرين لرفض مشروع قانون إحداث صندوق الكرامة ليست سوى تعلات واهية، مؤكدة أن رئيسة الهيئة تتعمد التلكؤ وتعطيل الجبر المادي للمتضررين تنفيذا لأجندات سياسية. و يؤكد مراقبون أن الخلاف بين الهيئة و وزارة المالية يتمحور حول الجهة التي تشرف على الصندوق ؛ إذ في الوقت الذي تتمسك به هيئة بن سدرين بأحقيتها في الإشراف على صندوق الكرامة، ترى الحكومة أنه بما أن عمل الهيئة ينتهي بعد عام من الآن فمن غير الممكن إدارة الصندوق لفترة محددة، إذ أن مبالغ مالية هامة سيتم ضخها له. و كانت سهام بن سدرين قد وعدت ضحايا الاستبداد بإصدار أمر إحداث صندوق جبر الضرر في شهر ماي الماضي، لكن "تمسكها بخضوع الصندوق لتصرفها حال دون ذلك". و استنكرت المنظمات الغاضبة تمتع رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة بالعديد من الامتيازات من بينها سيارة إدارية فاخرة وإنفاق الأموال العمومية على الدراسات والاستشارات والسفر داخل البلاد وخارجها، في الوقت الذي تعطل فيه حصول المتضررين من ممارسات النظام السابق على مبالغ مالية لم تعترض الحكومة على صرفها.