ما انفكت وثيقة قرطاج تكون نقطة التقاء مختلف الاحزاب والتفافهم حول حكومة الوحدة الوطنية لمساندتها ودعمها، حتى أصبحت نقطة اختلافهم في غضون أشهر من اعلانها، وغادرت أحزاب هذا الاتفاق على غرار الحزب الجمهوري، وافاق تونس ، فيما تخلت عنها حركة مشروع تونس، وانتقدتتها عدة أحزاب أخرى كحزب المسار، في وقت تسعى أحزاب اخرى الى المحافظة على دورها في المعارضة وفي تعزيز الحزام السياسي للحكومة من خلال دخولها في تحالفات وجبهات تتعارض مع الوثيقة التي وقعت عليها. فوجود 4 احزاب موقعة على وثيقة قرطاج ضمن الأحزاب العشرة التي أعلنت التقدم بقائمات موحدة في الاستحقاق الانتخابي معطى جديد يكشف الازدواجية السياسية ويحرج اتفاق قرطاج الذي بات عرضة الى اعادة الصياغة. وهو جعل الفرصة سانحة، أمام البعض، للمطالبة باعادة صياغة الوثيقة شكلا ومضمونا، ولدعوة الاحزاب بلعب دور وحيد، وعدم المزج بين المعارضة والمساندة، هذه الدعوات صدرت عن أكثر من طرف سياسي بمختلف مواقعهم وتوجهاتهم، ما قد يعصف بوثيقة قرطاج، وينهيها. في هذا الشأن، لاحظ الناطق الرسمي باسم حركة نداء تونس، منجي الحرباوي، أنّ أغلب مكونات التكتل السياسي الجديد الذي تمثله 10 أحزاب سياسية هم من الموقعين على وثيقة قرطاج، معتبرا أنه تكتّل مواز لوثيقة قرطاج ويفرغها من محتواها من حيث الشكل، وفق تعبيره. كما اعتبر منجي الحرباوي في تصريح لموقع حقائق أون لاين، الاربعاء 27 ديسمبر 2017، أن هذا التكتل السياسي الجديد خطر على حكومة الوحدة الوطنية ودخول بعض الأحزاب الموقعة على وثيقة قرطاج فيه رغم ضعف وزنهم السياسي والبرلماني هو تهديد للحكومة وتشويش على عملها. ودعا منجي الحرباوي إلى إجراء عديد المراجعات صلب وثيقة قرطاج ومضامينها فضلا عن مراجعات في شكل الحكومة ومكوناتها، مطالبا الأحزاب الموقعة على وثيقة قرطاج بأن تختار بين حكومة الوحدة الوطنية والمعارضة. وعبّر الحرباوي عن رفضه أن تدفع الأحزاب الكبرى فاتورة تحالفات جديدة، قائلا:"آن الأوان للقيام بمراجعات صلب وثيقة قرطاج وفي شكل الحكومة الحالي". من جهته، دعا رئيس حزب المبادرة كمال مرجان خلال ندوة صحفية انتظمت صباح الخميس 28 ديسمبر 2017، الأحزاب الموقعة على وثيقة قرطاج لعقد إجتماع ومشاورات دورية وإعادة النظر في هذه الوثيقة لتكون متماشية مع الوضع الجديد. واعتبارا الى ان حكومة يوسف الشاهد قد بنيت هيكليّا وفي مستوى البرامج على قاعدة وثيقة قرطاج التي وقّعها 9 احزاب سياسية في بدايتها (حركة النهضة، نداء تونس حركة مشروع تونس، الاتحاد الوطني الحر،افاق تونس، حركة الشعب،المبادرة الوطنية الدستورية، الحزب الجمهوري وحزب المسار)، وثلاث منظمات وطنية (الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للتجارة والصناعة والصناعات التقليدية بالاضافة الى الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري) واعتبرت هذه الوثيقة بمثابة خارطة الطريق لهذه الحكومة . فإن ذلك يحيل الى الحديث عن ان بدأ الحاضن السياسي لحكومة الشاهد يتآكل بنسق سريع ما يضعف عبارة «حكومة وحدة وطنية» خاصة وان بعض مناصريها فضّلوا الاصطفاف في المعارضة. وقد كان من المؤمّل أن تشهد تونس صيغة جديدة في التعامل السياسي بين مختلف الأطراف الّتي إنخرطت في هذا الاتفاق وأن يحدث التفاعل الإيجابي بين مكونات هذه الأطراف وانخراطها في معارك إرساء الوسائل والآليات الّتي تستوعب انتظارات مختلف فئات الشعب، غير أنه في ظل مناخ انعدام الثقة الذي ساد الشارع التونسي في موقفه تجاه أغلب الاحزاب المكونة للمشهد السياسي، ونزعة السياسيين الى انهاء أنشطتها المنفردة والدخول في التحالفات، تغليبا لمصالحها الحزبية بات يهدد الاتفاق، والوحدة الوطنية التي أجمعت أغلب الاطراف السياسية والاجتماعية حولها. وبرغم الامال التي كانت تعلق على ان يتجاوز جميع السياسيين خلافتهم و تغليب مصلحة البلاد غير أن الصيغة الجديدة في التعامل السياسي بين مختلف الأطراف الّتي إنخرطت فيها تبين أن وثيقة قرطاج ستبقى مجرد حبر على ورق حيث ستلعب الاوراق السياسية تحت طاولة المشاورات الضيقة مما يعني ان الخلافات ستؤثر سلبا على العملية السياسية.