يستهل المشهد السياسي السنة الإدارية الجديدة وهو في حالة استقرار هش في ظل الحديث عن أزمة حكم مفترضة وإضطراب التحالفات السياسية التي تتجهز لخوض الانتخابات البلدية المقبلة، فضلا عن استنفار احزاب تراجع أداؤها في خضم صراعات خاضتها في ما بينها في السر والعلن وسط مخاوف جدية من إمكانية التراجع عن المكاسب التي تحققت للبلاد إبان الثورة. فخلال الايام القليلة الماضية التي بقيت في عمر العام الحالي، دخلت تونس مرحلة تصعيد سياسي غير مسبوق وسط حراك مُتداخل، انطلق من خلفيات ومرجعيات وحسابات مختلفة، ليدفع بملف الاستقرار السياسي بأبعاده المتنوعة إلى صدارة المشهد الداخلي. هذا التوتر السياسي طغى على كل القضايا الهامة والتحديات المطروحة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، وهمشها، واضعا بذلك الحكومة الحالية برئاسة يوسف الشاهد أمام وقائع قد يتعذر عليها تجاهلها، خاصة وأنها تحمل بين طياتها مقدمات لمسار خطير، على وقع تصاعد التوتر السياسي الذي تسبب في إرباك على كل المستويات الحزبية والحكومية. وأطلقت هذه التطورات المتلاحقة، الحديث عن الخيارات المفتوحة للتعامل مع هذا الوضع المتسم بالضبابية والتوتر ومشهد حزبي يتهاوى على وقع الخلافات والانقسامات التي لا أحد بإمكانه تحديد مآلاتها. وتعود بدايات هذا التوتر غير المسبوق الى انسحاب حزب "آفاق تونس" من الحكومة، واعلانه الالتحاق بركب المعارضة على خطى الحزب الجمهوري الذي كان قد انسحب من الحكومة في نوفمبر الماضي. هذا وانضم الاتحاد العام التونسي للشغل إلى هذا الصراع المتواتر، حيث صعّد من خطابه السياسي، حيث حذر كل من امينه العام نور الدين الطبوبي و أمينه العام المساعد بوعلي المباركي من خطورة تأزم الوضع السياسي في البلاد، وأكد أن الوضع السياسي المتأزم في تونس′′ أصبح يُهدد مسار الانتقال الديمقراطي، وسيؤدي إلى تداعيات خطيرة". واعتبر الطبوبي أن تونس تعيش "أزمة أخلاق سياسية، وأزمة مراهقة سياسية"، و" توافقا مغشوشا ومُحاصصة مفضوحة"، لافتا إلى أن البعض همهم الوحيد المناصب والنفوذ. كما أكدت تقارير إعلامية كثيرة في سياق متصل، أن رئيس الحكومة بوسف الشاهد يتهيأ لبعث حركة سياسية جديدة و حسب نفس المصادر فان هذه الحركة ستضم وزراء حكومته الذين استقالوا حديثا من أحزابهم السياسية ( الجمهوري و آفاق تونس ) ، ووفق نفس المصادر فان عمر يوسف الشاهد كرئيس حكومة أوشك على الانتهاء، لسببين اولهما فشله في حلحلة الوضع الاقتصادي المزري في البلاد أو لانه بات يشكل منافسا حقيقيا لاحزاب الائتلاف الحكومي الذين يساندوه نظريا في حكومته . ورغم تنظيم نسختين غير مسبوقتين من الانتخابات التشريعية الحرة والنزيهة، لا يزال المشهد السياسي التونسي الذي أفرزته تجربة "الديمقراطية الناشئة" في طور التشكل وإن بات بعض ملامحه واضحًا. ويرى محللون أن الاحزاب التي لم تلتحق بأحد التكتلات ستجد نفسها قريبا مضطرة الى التموقع صلب احدى الجبهات أو التكتلات الموجودة أو انها ستجد طريقها الى تأسيس جبهات اخرى تختلف عن الموجود، مشيرا الى ان الدساترة بمن فيهم نداء تونس سيواجهون مشاكل بسبب وجود مسؤولين تجمعيين معهم. هذا وأعرب سياسيون ومثقفون عن قلقهم تجاه المشهد السياسي العام بالبلاد مؤكدين أن حالة الاستقطاب السياسي تهيمن اليوم على نوعية الحراك السياسي مما فتح المجال أمام حالة من اختلال التوازن والضبابية في المسار الديمقراطي. من جهة اخرى، يسود مناخ انعدام الثقة الشارع التونسي في موقفه تجاه أغلب الاحزاب المكونة للمشهد السياسي، وتجاه الحكومة التي لم تف بعد باغلب الوعود التي أطلقتها لتتجاوز بها أزماتها المؤقتة، لتواجه اشكالا من نوع اخر، إشكال فشل سياستها الداخلية على مختلف المستويات، في وقت بدأت سياستها الخارجية تتعافى، رغم أخطاء فترة ما بعد الثورة. تساءلت فيه الحكومة بذلك مع المعارضة، في معاناة أزمة قد تكون مستعصية، انعكست سلبا على تعاطيها مع مختلف الأطراف، في مقدمتهم مؤسسة رئاسة الجمهورية التي راجت مؤخرا تسريبات تشير الى توتر العلاقة بين المؤسستين، فضلا عن تعاطيها المرتبك مع الأحزاب المعارضة وحتى المشاركة في تركيبتها، إلى جانب تعاطيها المرتبك مع التحركات الاجتماعية وهو ما أفقدها مصداقيتها أمام الشارع التونسي.