تبقى وثيقة قرطاج صمام الأمان لاستكمال مسار الانتقال الديمقراطي رغم الخلافات الدائرة على أكثر من صعيد بين المنظمات التي كانت راعية للحوار الوطني، ومن المنتظر أن يكون للخلاف الدائر بين منظمة الاعراف و المركزية النقابية تبعات عكسية في ظل ازدواجية المواقف وانحصارها فقط على تبادل الاتهامات دون وجود مخرج الخلاف الذي يظل قائما وهو ما يعني أن الأنباء القادمة بخصوص قرطاج قد تعيش على وقع هذا الخلاف . من جهة أخرى، يؤكد ارتجاج بيت الائتلاف الحاكم في ظل مغادرة الجمهوري وآفاق تونس، أن التوافق يظل بيد حركة النهضة الطرف السياسي الأكثر تماسكا في الحكم بعد صمودها رغم كل محاولات العزل السياسي. ويرى متابعون للشأن السياسي التونسي، أنه على كل الأطراف الفاعلة حكومة ومعارضة ومنظمات وطنية، أن تغلب مصلحة البلاد وإخراجها من الأزمة التي تعيشها، سيما في ظل تضييق الخناق الاقتصادي من قبل الشركاء الاوروبيين على تونس. ويضيف المراقبون أن المعارضة البناءة تقتضي اليوم، ضرورة ضبط النفس، وعدم الترويج الى أخبار مغلوطة أو إشاعات بإمكانها أن تنسف الجهود التي بذلتها جميع الاطراف من أجل استكمال بناء مسار الانتقال الديمقراطي. فالخلاف بين الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف حول المفاوضات الاجتماعية للزيادة في القطاع الخاص بعنوان سنة 2018 يعود مرة أخرى بالرغم من أن موعد انطلاقها تفصلنا عنه 4 أشهر، أفريل 2018، حسب ما تمّ التنصيص عليه في اتفاق الزيادة في الأجور بعنوان سنتي 2016 و2017، ذلك أن هذا الاتفاق جاء في بنده الأخير أن المفاوضات تستأنف في جانبها المالي والترتيبي بداية من الشهر المذكور آنفا، وهو أيضا ما نصّ عليه الاتفاق الممضى بين يوسف الشاهد ونور الدين الطبوبي الاسبوع المنقضي غير أن رئيسة المنظمة وداد بوشماوي نفت علمها بذلك. أكدت بوشماوي أمس أنها لا علم لها بوجود مفاوضات جديدة للزيادة في الأجور في أفريل المقبل لترحل المسألة إلى المكتب التنفيذي الجديد الذي سيتم انتخابه في المؤتمر الوطني المقرر تنظيمه في 17 جانفي 2018، وحسب تعبيرها فإنه هو الذي سيتخذ قرار الانطلاق في المفاوضات، تصريحات أغضبت قيادات اتحاد الشغل وشددت على أن منظمة الأعراف على علم بهذا الاتفاق وقد سبق أن أمضت عليه كما سبق أن طالبها بتمكين الاتحاد من كراس المطالب لكل القطاعات المعنية بالمفاوضات في القطاع الخاص. من جهة أخرى، أكدت تقارير إعلامية كثيرة أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد يتهيأ لبعث حركة سياسية جديدة و حسب نفس المصادر فان هذه الحركة ستضم وزراء حكومته الذين استقالوا حديثا من أحزابهم السياسية ( الجمهوري و آفاق تونس ) ، ووفق نفس المصادر فان عمر يوسف الشاهد كرئيس حكومة أوشك على الانتهاء، لسببين اولهما فشله في حلحلة الوضع الاقتصادي المزري في البلاد أو لانه بات يشكل منافسا حقيقيا لاحزاب الائتلاف الحكومي الذين يساندوه نظريا في حكومته . هذا وغادرت أغلب الأحزاب اتفاق قرطاج بعد امضائها عليه، على غرار الحزب الجمهوري، وافاق تونس ، فيما تخلت عنها حركة مشروع تونس، وانتقدتتها عدة أحزاب أخرى كحزب المسار، في وقت تسعى أحزاب اخرى الى المحافظة على دورها في المعارضة وفي تعزيز الحزام السياسي للحكومة من خلال دخولها في تحالفات وجبهات تتعارض مع الوثيقة التي وقعت عليها. واعتبارا ان حكومة يوسف الشاهد قد بنيت هيكليّا وفي مستوى البرامج على قاعدة وثيقة قرطاج التي وقّعها 9 احزاب سياسية في بدايتها (حركة النهضة، نداء تونس حركة مشروع تونس، الاتحاد الوطني الحر،افاق تونس، حركة الشعب،المبادرة الوطنية الدستورية، الحزب الجمهوري وحزب المسار)، وثلاث منظمات وطنية (الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للتجارة والصناعة والصناعات التقليدية بالاضافة الى الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري) واعتبرت هذه الوثيقة بمثابة خارطة الطريق لهذه الحكومة . فإن ذلك يحيل الى الحديث عن ان بدأ الحاضن السياسي لحكومة الشاهد يتأكل بنسق سريع ما يضعف عبارة «حكومة وحدة وطنية» خاصة وان بعض مناصريها فضّلوا الاصطفاف في المعارضة. وتبين الصيغة الجديدة في التعامل السياسي بين مختلف الأطراف الّتي إنخرطت فيها، أن وثيقة قرطاج ستبقى مجرد حبر على ورق حيث ستلعب الاوراق السياسية تحت طاولة المشاورات الضيقة مما يعني ان الخلافات ستؤثر سلبا على العملية السياسية.