لا زال الجدل بخصوص قانون المالية الجديد، وما حمله من مقتضيات أدت إلى ارتفاع الأسعار، قائما، ما دفع عدداً من الهيئات السياسية والاجتماعية إلى الاحتجاج والمطالبة بتعديله، في حين ظلت الحكومة تؤكد الظرفية التي تعللها بضرورة "الحد من عجز الموازنة". هذه الاستفاقة على خطورة الوضع الاقتصادي والمالي جاءت متأخرة، فرغم مرور شهر على تاريخ مصادقة مجلس نواب الشعب على مشروع قانون المالية لسنة 2018 ، والذّي نصّ على جملة من الإجراءات "الموجعة" من بينها الزيادات في الأسعار ، فإن الاحتجاج على ما جاء في نصّ مشروع القانون لم يحتدّ إلا هذه الأيام منذ الإنطلاق في العمل بما جاء به ممّا خلق جدلا واسعًا، سيّما وأن أطرافا معينة باتت تدعو إلى رصّ الصّفوف من أجل النزول إلى الشارع والاحتجاج. اخر المحتجين على هذا القانون، الغرفة النقابية الوطنية للباعثين العقاريين بالبلاد التونسية التابعة للاتحاد التونسي للصناعة و التجارة و الصناعات التقليدية التي أكدت خلال ندوة صحفية عقدتها الخميس 05 جانفي 2018، عن رفضها و استنكارها للإجراء الذي تتجه الإدارة لاتخاذه بشان توظيف الأداء على القيمة المضافة بنسبة 13 بالمائة على المخزون العقاري للبنايات المعدة للسكن قبل تاريخ 31 ديسمبر 2017 وطالبت بحقها في طرح هذا الأداء على المخزون العقاري وتطبيقه على البنايات المعدة للسكن انطلاقا من جانفي 2018 تنفيذا لما جاء في قانون المالية الأخير. وأكد رئيس الغرفة فهمي شعبان انه في حال تطبيق هذا الإجراء سيلتجئ الباعثون العقاريون إلى اعتماد الفصل التاسع من المجلة الجبائية الذي ينص على الحق في طرح الأداء على القيمة المضافة الموظف على مخزونهم العقاري الذي لم يقع إمضاء عقود بيع في شانه خلال سنة 2017 , كما سيقع الالتجاء إلى المحكمة الإدارية و إلى القضاء لإبطال هذا الإجراء الجائر في حق قطاع يمر بصعوبات جمة على مستوى النقص في التسويق و ارتفاع كلفة البناء والترفيع في أسعار مواد البناء بالإضافة إلى التوظيف الأخير للأداء على القيمة المضافة و الذي سيثقل كاهل المواطن بمعاليم إضافية في التسجيل و يضرب مقدرته الشرائية و يمس من حقه المشروع في امتلاك مسكن . و أضاف فهمي شعبان أن الغرفة تتفهم حاجة الدولة إلى تنويع مواردها الجبائية و إلى تغطية عجز موازناتها المالية ولكن هذا لا يكون بالعصا الغليظة و عبر فرض إجراءات جبائية تعسفية قد تضرب القطاع بأكمله و تهدد ألاف مواطن الشغل و يزيد من التهاب أسعار المساكن . يشار إلى أن قانون المالية لسنة 2018 قد أقر إخضاع العقارات المعدة للسكن لنسبة الأداء على القيمة المضافة ب13 بالمائة ابتداء من شهر جانفي الجاري رغم استماتة الغرفة و المهنيين في رفض هذا القانون لما له من تداعيات وخيمة على القطاع و على أسعار المساكن. هذا وأثارت تصريحات رئيس لجنة المالية و النائب عن الجبهة الشعبية المنجي الرّحوي، جدلا كبيرا، لما تضمنته من احتجاج وتنديد بالزيادة في الأسعار، الأمر الذي تعارض مع ما جاء في قانون المالية الذي صادقت عليه اللجنة التي يرأسها. وتساءل متابعو الشأن العام عمّا كان يفعله رئيس لجنة المالية أثناء مصادقة لجنته على مشروع قانون المالية لسنة 2018 الذي زادت الأسعار بمقتضاه، مستدركين بتهكّم أنّه ربّما كان انذاك في "سبات شتوي" أم أنه "غير واعٍ كفايةً بأنه يتقلّد منصب رئيس لجنة المالية حتّى تداخل عليه الأمر بين تموقعه الحزبي بالبرلماني". وكان رئيس لجنة المالية والتخطيط والتنمية بمجلس نواب الشعب المنجي الرحوي قد اعتبر ان الزيادات في الأسعار وخصوصا في المواد الأساسية والتصريح بعدم التخلي عن الدعم بمثابة "خزعبلات الدولة واستغفال المواطن لكنه ليس مغفلا لأنه يشعر بهذه الزيادات بصفة مباشرة في حياته اليومية" على حدّ تعبيره ، مشدّدا على أنه "ستكون لقانون المالية تداعيات أكثر من التي نعيشها الآن" وأضاف الرحوي "لم أستغرب الزيادات... وكنا نتوقعها... قلنا سابقا ان الزيادات ستكون كبيرة وستستهدف القدرة الشرائية للمواطن وستكون عامل توتر اجتماعي" وتابع: "هناك نواب كانوا يتوقعون الزيادات... لكنهم لم يتوقعوا هولها ولا ان تكون بهذا الحجم باعتبار أنها ستمسّ كل المواد". هذا وينتقد متابعو الشان التونسي، تصرف بعض الاحزاب التي صادقت على قانون المالية لسنة 2018، او على اغلب فصوله، وتسعى في المقابل الى اسقاطه في الشارع من خلال الدعوات الى النزول الى الشارع والاحتجاج على مضمونه. واعتبرت النائب عن حركة النهضة يمينة الزغلامي في حوار تلفزي أن عدد ا من نواب الجبهة الشعبية صوتوا لصالح قانون المالية لسنة 2018، ويدعون اليوم الى اسقاطه في الشارع، وحسب نتائج التصويت على مشروع القانون السبت 9 ديسمبر 2017، فقد صوت 134 نائبا لصالح القانون فيما إحتفظ 12 نائبا، فيما رفض 21 اخرون فقط التصويت.