دخلت السلطة القضائية في الفترة الاخيرة في بعض التجاذبات السياسية في خرق فاضح لأهم مبادئ الانتماء الى السلطة القضائية وهي الحياد والنزاهة وعدم الخوض في الشأن السياسي ، بل وصل الامر الى حد مجاهرة بعض القضاة بمواقف سياسية بعيدة كل البعد عن الحيادية التي من المفترض ان يلتزم بها القاضي ، فيما تحاول السلطة التشريعية من جهتها تعزيز الاليات اللازمة للقطع مع ظاهرة تستفحل من يوم الى اخر ، ظاهرة جرّت السلطة القضائية نحو تجاذبات سياسية و أحداث لا تتعلق بها ، و لعل قضية ياسين العياري الفائز بمقعد الانتخابات التشريعية الجزئية من اهم القضايا التي اثارت الرأي العام مؤخرا . و عبرت المعارضة والمجتمع المدني عن قلقها الكبير ازاء الاحداث التي تهدد الانتقال الديمقراطي في تونس و حذرت الاحزاب الحاكمة من عودة استعمال السلطة القضائية لإرهاب المعارضين والانقلاب على نتائج الانتخابات والرجوع بالديمقراطية التونسية إلى مربّع الاستبداد. ويأتي هذا التحذير على خلفية الجدل القائم حول الفائز بمقعد ألمانيا في الانتخابات التشريعية الجزئية ياسين العياري، وسط تلميحات إلى إمكانية حرمانه من أداء اليمين في مجلس نواب الشعب بسبب رفع دعوى قضائية جديدة ضده في المحكمة العسكرية. و أدان حزب التيار الديمقراطي ما أسماه بالمحاولات المتواترة والممنهجة للانقلاب على الديمقراطية عبر الاستقواء بالقضاء والأمن لضرب الأصوات المعارضة. ودعا التيّار، مجلس نواب الشعب إلى التسريع بتعديل التشريع المتعلّق بالقضاء العسكري ليختص بالجرائم العسكرية دون سواها بما يتلاءم والدستور التونسي الجديد والفصل 110 منه تحديدا. واستنكر في جانب آخر، ما أقدمت عليه الحكومة من إيقافات واعتداءات على مدوّنين وناشطين على خلفية نقد قانون المالية والتحرك ضدّ ارتفاع الأسعار والدفاع عن المقدرة الشرائية للمواطنين، بحسب ما جاء في ذات البيان، قائلا إن السلطة تعمدت اعتقال شباب تونس الثائر على تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والارتفاع المشطّ للأسعار في ضرب لحرية التعبير والتظاهر. ودعا التيار الديمقراطي في بيانه، كل القوى السياسية والمدنية الديمقراطية إلى الوقوف صفّا واحدا ضدّ عودة نظام الاستبداد ومحاولات الانقلاب على الديمقراطية وضرب الحقوق والحريات التي تقودها حكومة النهضة والنداء. وأكد العياري في تصريح صحفي أن قضية جديدة رُفعت ضده بتهمة الإساءة لرئيس الدولة والمساس بمعنويات الجيش، مضيفا أن المحكمة حددت يوم 8 مارس المقبل للنظر في القضية، غير أن النيابة العامة طلبت تقديم الجلسة إلى ما قبل موعد أدائه القسم في مجلس نواب الشعب. وقال العياري إن "المعركة اليوم هي معركة سياسية، وإنه يمثل الشباب التونسي الذي أخذ المشعل للترشح والفوز بعد عمل مضن قام به في الدوائر الانتخابية في الخارج". وأضاف أنه فضل عدم الرد على كل محاولات التشويه التي طالته، لأنه "جاء للعمل كنائب يريد التغيير ويفضل العمل بعقلية شبابية، ولكن للأسف هناك من يرفض هذا التوجه ويريد المحافظة على نفس النمط التقليدي، ما جعل عديد الحملات تستهدفه وتحاول منعه من العمل". ويحظى العياري، بدعم عدد من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني في قضيته الحالية، من بينها حزب حراك تونس الإرادة، الذي يتزعمه الرئيس السابق المنصف المرزوقي. ويصف رئيس الهئية السياسية بهذا الحزب، عدنان منصر، في تصريح إعلامي محاكمة العياري بأنها "سياسية، تهدف إلى منع فائز في انتخابات ديمقراطية من الوصول إلى مقعده البرلماني"، مؤكدا أن "هذه الخطوة مؤشر على عدم استعداد حزب نداء تونس للتخلي عن الحكم والاحتكام إلى نتائج صندوق الاقتراع ما لم تكن في صالحه". هذا و شكل فوز المرشح ياسين العياري صدمة بالنسبة لحزب نداء تونس ، الذي عجز رغم نفوذه و إمكاناته الضخمة، في تحشيد العدد الكافي من الأصوات لضمان الفوز لمرشحه، خصوصا أن المقعد موضوع المنافسة كان يشغله أحد المنتسبين إليه ممن تم تعيينهم أخيرا في منصب ضمن حكومة يوسف الشاهد.