اتخذت التحركات الاحتجاجية ضد غلاء الأسعار وارتفاع كلفة المعيشة التي اندلعت مع بداية شهر جانفي الجاري مع دخول قانون المالية لسنة 2018 حيز التنفيذ، منحى تصاعديا خطيرا مع ارتفاع نسق التحركات في عديد المناطق والجهات وتحول بعضها إلى الاحتجاج ليلا فيما يواصل بعضها الآخر الحشد والتعبئة تدعمها علنا بعض الأحزاب السياسية المعارضة ورفعت من سقف مطالبها وباتت تنادي بإسقاط قانون المالية مستغلة رمزية جانفي (كشهر عرف معظم الحركات الاحتجاجية التاريخية المهمة في البلاد) وأيضا اقتراب موعد إحياء ذكرى الثورة . ولم يخفِ عدد من الأطراف السياسية المعارضة على رأسهم الجبهة الشعبية اتهامهم المباشر لحركة النهضة في مسألة الزيادات في الأسعار باعتبارها أكبر حزب ممثل في البرلمان ، بيد أن نواب النهضة قلبوا الموازين عليهم بعد أن كشفوا أنه عند المصادقة على الفصل ال39 المتعلق بالزيادة على القيمة المضافة نواب النهضة كانوا قد انسحبوا من الجلسة العامة ، والنواب ال93 الذين صادقوا على الفصل هم نواب نداء تونس ونواب المعارضة. وأكّدت الحركة ، في بيان نشرته الاربعاء 10 جانفي 2018، على ضرورة "التمييز بين شرعية التحرك الاجتماعي الذي كفله دستور الثورة وتنظمه القوانين، وحق المواطنين في التعبير عن عدم رضاهم على بعض سياسات أو قرارات الحكومة، وبين أعمال الفوضى والتخريب والاعتداء على أملاك التونسيين ونهبها، وتهديد أرواحهم وإرباك حياتهم العادية"، داعية إلى تطبيق القانون على مرتكبيها. وندّدت النهضة بما وصفته بالخطاب السياسوي والتحريضي لبعض الأطراف السياسية "العنيف والدموي"، معتبرة أنّ هذا الخطاب "ينمّ ّ عن أصل بنيتها الفكرية الفوضوية وما تختزنه من أفكار تدعوا إلى تقسيم التونسيين بين حداثي ومعادي للحداثة". ونبّه البيان إلى "خطورة ما تقوم به هذه الأطراف السياسية من توفير الغطاء السياسي الذي يبرّر أعمال العنف والتخريب، بل ويشجع على القيام بها وتوسيعها وتواصلها لحسابات انتخابية مبكرة، وأغراض لا علاقة لها بالاحتجاج الاجتماعي المدني والسلمي". وثمّن موقف الاتحاد العام التونسي للشغل في التمييز بين التظاهر والتحرك الاجتماعي السلمي وبين ما تقوم به العصابات من أعمال عنف وفوضى وتخريب. وبعيدا عن منطق التجاذبات والحسابات السياسية في هذا الموضوع، وبعيدا عن الجدل بخصوص عفوية التحركات الاحتجاجية واستقلاليتها من عدمها عن كل غايات سياسية حزبية هذا و کذبت حرکة النهضة ما صرح به في برنامج اذاعي النائب عن الجبهة الشعبية بأن المواطن الذي تم إلقاء القبض عليه وهو يوزع الأموال على المحتجين ينتمي للنهضة. ودعت حرکة النهضة في بيان توضيحي النائب لمزيد التحري قبل توجيه التهم وعدم مغالطة الراي العام وتزييف الحقائق کما ان محاضر البحث الامني تمثل خير تکذيب لادعاءاته الباطلة. واتهم النائب عن حرکة النهضة محمد بن سالم نواب الجبهة الشعبية بالتصويت لفائدة فصلين بقانون المالية لسنة 2018 يتعلقان بالزيادة في الاسعار . واکد بن سالم ان الفصل 39 من قانون المالية الذي ينص على الزيادة في الاداء على الضريبة المضافة مُرر بتصويت 93 نائبا کلهم من المعارضة ومن الجبهة الشعبية تحديدا مشددا على ان "کتلة النهضة کانت محتجة زمن التوصيت على هذا الفصل" وانها غادرت وقتها الجلسة العامة . واکد بن سالم ان الزيادة في القيمة المضافة سحبت من قانون المالية عند طرحه للنقاش في لجنة المالية وانه هو من طلب بحذف الفصل المتعلق بها لما له "من تأثير مباشر على الاسعار" ،وفق تفسيره. ومن جانبها ، قالت النائبة عن حركة النهضة يمينة الزغلامي في تصريح ل"الصباح نيوز" ان حق الاحتجاج والتجمهر ُ «مقدس» ويكفله الدستور ولكن عندما تتحول الاحتجاجات لعمليات نهب تصبح «أعمال عصابات» وأوضحت الزغلامي انه من حق الأطراف السياسية الداعية للاحتجاج والخروج إلى الشوارع، في إشارة إلى الجبهة الشعبية، ولكن ليس من حقها عدم تأطير الاحتجاجات الأمر الذي من شأنه المس من «أمن البلاد». وفي سياق آخر، قالت يمينة الزغلامي ان الجبهة بصدد الترويج ل»كذبة كبرى» حول قانون المالية لسنة 2018 وحيثيات المصادقة عليه واعتبار أنه قانون النهضة والنداء، ُ مضيفة: «هذا كلام غالط وليس صحيح ونواب الجبهة الشعبية في لجنة المالية دافعوا على عدم الزيادة في القيمة المضافة على اليخوت، عندما مست الحكومة بعض الطبقات الغنية وضاعفت الجباية.. غير ّ أن الجبهة الشعبية والتيار الديمقراطي والنداء قبلوا التصويت في غياب النهضة على الفصول من 35 إلى 41 والتي من بينها فصل تضمن الزيادة في القيمة المضافة (الفصل 39 من قانون المالية) وفي خضم تلك «التخميرة» صوتوا على الترفيع في القيمة المضافة.. ليثبتوا بذلك أنهم غير ديمقراطيين فتصويتهم كان دون حضور نواب النهضة الذين غادروا أشغال الجلسة العامة حينها بسبب الفصل 36 من قانون المالية». كما قالت الزغلامي ان الفصل 39 من قانون المالية لسنة 2018 المتضمن للزيادة في الآداء على القيمة المضافة ب1 ٪صوّت عليه 93 نائبا واحتفظ 3 نواب باصواتهم فيما اعترض 3 ُ نواب، مذكّرة بان هذه الجلسة انسحبت منها كتلة حركة النهضة. وفيما يهم الحلول المقترحة للخروج من «الأزمة» التي تمر بها البلاد اليوم، قالت يمينة الزغلامي ان «الحل اليوم تنظيم حوار اقتصادي اجتماعي يتحمل فيه المشاركون مسؤولية الوطن التي مازالت في حالة انتقال ديمقراطي هش ومازال الشعب ينتظر حلولا اقتصادية واجتماعية للمعيشة والبطالة وبعيدا عن المعارك الايديولوجية والحملة الانتخابية السابقة لاوانها ودعوات اسقاط حكومة». كما ذكّرت الزغلامي بدعوة حركة النهضة الزيادة في منحة العائلات المعوزة والترفيع في الأجر الأدنى. ومن جهة أخرى، قالت الزغلامي: «نحيي الاتحاد العام التونسي للشغل الذي كانت تصريحات أمينه العام نورالدين الطبوبي، اليوم في المنستير، مهمة جدا ودعا لحوار اقتصادي واجتماعي.. ونتمنى ان يتبنى الاتحاد هذا الحوار وسنكون من أول الأطراف التي ستشارك في هذا الحوار ، مؤكدة ان «الشعب التونسي اليوم واع بحجم التحديات ويريد حماية الثورة وحرياته ووطنه ولن ينساق وراء دعوات الفوضى». ومن جهته، وجه النائب عن حركة النهضة حسين الجزيري تحذيرا الى نواب المعارضة من أن كتلة النهضة لن تصمت مجددا على المزايدات حوله. وهدد الجزيري في مداخلته بمجلس الشعب بان النهضة أقوى وأكثر عددا في حال خيّرت النزول إلى الشارع. وقال الجزيري لن نرضى بالمزايدات وقد صبرنا عليكم كثيرا وهذه الطريقة لم تعد مقبولة ومن لم يعجبه الشعب أمامه. وتابع الجزيري حتى الشارع نحن سباقون اليه وأقوى منكم وأقدم منكم! مضيفا رانا صابرين على العوج.. وعلى الناس اللي تخرج ليلا لحرق البلاد والمعتمديات ان تعرف ان هذا الامر لن ينفع احدا. هذا وانتقد الجزيري الناطق باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي بسبب خطابه، قائلا خطاب حمة الهمامي ورفقائه غريب وعجيب والأفضل له التركيز على الانتخابات البلدية ثم التشريعية والرئاسية عوض المطالبة بإسقاط الحكومة. وأضاف حسين الجزيري الجبهة الشعبية ناجحة في التظاهر فقط وعليها تغيير عقلية قلب النظام وإسقاط الحكومات في الشارع.