في ظلّ الوضع الحساس الذي تعيش على وقعه البلاد على جلّ الأصعدة -اقتصاديّا بالأساس- ، تعوّل تونس كثيرا على علاقاتها الثنائية مع مختلف الدول ‘الصديقة' من أجل دعمها وتعزيز اقتصادها، وهو ما اندرجت في إطاره زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. بيد أن الزيارة التي كانت الدولة ترتقبها على أحر من الجمر، لم ترتقِ إلى التطلعات التي كانت منتظرة منها ، وجاءت مخرجاتها دون المطلوب، أظهرت محدودية دعم فرنسالتونس. وأنهى ماكرون زيارته التي استمرت يومين حيث غلب عليها الطابع الاقتصادي، بدعم مالي بلغ نصف مليار اورو خلال الفترة بين 2020 و2022، إضافة إلى توقيع 8 مذكرات واتفاقيات تعزز التعاون المشترك بين البلدين. وبالإضافة إلى حزمة مساعدات بقيمة 1.2 مليار اورو خلال الفترة ما بين 2016 و2020، أعلن الرئيس الفرنسي إنشاء صندوق بقيمة 50 مليون اورو على مدى ثلاث سنوات لصالح روّاد المشاريع الشباب التونسيين. ومن بين أبرز الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين اتفاقية تمويل لدعم إصلاح حوكمة المؤسسات والهياكل الحكومية في تونس بقيمة 100 مليون اورو في شكل قرض، واتفاقية تمويل برنامج تطوير البنية التحتية في العديد من المناطق العشوائية. وشكّل المنتدى الاقتصادي التونسي الفرنسي، الذي نظمته الغرفة التونسية الفرنسية للصناعة والتجارة الخميس، تحت شعار "النجاح معا اليوم وغدا"، الحدث الأبرز لزيارة ماكرون لكنه لم يحظ بإشادة من بعض الاقتصاديين التونسيين. وهذا ما ذهب إليه رجل الأعمال بسام الوكيل، رئيس مجلس الأعمال الأفريقي التونسي، في تعليقه على المنتدى حيث قال إن "المبالغ التي تم الحديث عنها في الاتفاقيات الموقّعة بين البلدين ليست كبيرة ولا تفيد إلا الشركات الناشئة". واعتبر ماكرون في اختتام المنتدى الذي شارك فيه قرابة ال200 من كبار رجال الأعمال الفرنسيين أن مضاعفة الاستثمار الفرنسي بتونس خلال فترة رئاسته التي تمتد خمس سنوات هو "هدف قابل للتحقيق". وقال أمام المنتدى بحضور أصحاب شركات فرنسية بينهم الرئيسان التنفيذيان لشركة أورانج ستيفان ريتشارد وشركة إلياد كزافيه نييل "لقد أكدت شركات رغبتها في الاستثمار بتونس"، مشيرا إلى قطاعات السياحة والتكنولوجيا والمنتجات الغذائية بصفتها قطاعات واعدة. وتصل الاستثمارات الفرنسية في تونس إلى 1.4 مليار اورو من خلال نشاط أكثر من 1300 شركة فرنسية توفر فرص عمل لنحو 138 ألف شخص، وفق الخبراء الذين أكدوا أن تونس تطمح بفضل مناخ الاستثمار الذي يتعافى تدريجيا لجذب المزيد من الشركات. وفي خضم هذا الشأن، أكد الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي إنه "لا يجب الإفراط في التفاؤل بشأن زيارة ماكرون لتونس"، مشيرا إلى الوعود الكثيرة التي قطعتها مجموعة من الدول والمؤسسات المالية الدولية في المؤتمر الدولي الاستثمار (تونس 2020)، والتي لا تزال حبرا على ورق. وأوضح أنّ الديون التي حولتها فرنسا إلى استثمارات في حدود 50 مليون اورو من إجمالي 800 مليون اورو، وهذا المبلغ ضئيل ولا يعكس آمال التونسيين. ومع ذلك، أكد الشكندالي أن فرنسا تبقى شريكا اقتصاديا مهما بالنسبة لتونس، وهي "قادرة على حشد دعم أوروبي أكثر نجاعة لفائدة مشاريع التنمية في تونس". ومن جانبه ، اعتبر المحلل نصرالدين بن حديد إن الزيارة لم تقدم ما يُغيّر الوضع في تونس، ففرنسا لم تعد لديها ذات الإمكانات السابقة. وبرر بن حديد ذلك بأن أزمة الاقتصاد التونسي هيكلية وليست نقص في الأموال، وقال "لو قُدّمت له 10 مليارات دولار لن يتغير أيّ شيء بسبب شبكات التسيير المالي والإداري الفاسدة". وحول زيارة ماكرون الى تونس، اعتبرت صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية، أنّها "لم تكن على مستوى التطلعات"، مشيرة إلى أنّ الاستثمارات الفرنسية الموعودة "لم تكن على مستوى آمال بلد تعصف به الأزمة منذ سنوات". ولفتت الصحيفة الفرنسية، في تقرير، اليوم الجمعة، إلى أنّ خطاب الرئيس الفرنسي، أمام البرلمان التونسي، أمس الخميس، "أثار إعجاب الكثير من التونسيين، خاصة النوّاب، بسبب لهجته وبُعده الفلسفي، لكن خطابه أمام ممثلي الأمة التونسية أثار خيبة الكثيرين، لا سيما أنّ التونسيين لم يكونوا بانتظار الشكل بل ما هو محسوس". وتطرّقت الصحيفة، إلى اقتراح ماكرون تنظيم منتدى أوروبي متوسطي، مذكّرة بأنّه استعادة لفكرة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، مشيرة إلى أنّه لقي ترحيباً من العديد من التونسيين، لأنّه "يهدف إلى اتفاق جماعي جول استراتيجية مشتركة من أجل البحر الأبيض المتوسط". غير أنّ الصحيفة لفتت إلى أنّ "الجانب الاقتصادي هو الذي شغل التونسيين. هنا انتظروا لفتات من الرئيس الفرنسي، لكنها كانت غير كافية"، بحسب ما أوردت في تقريرها. ونبّهت "لو فيغارو"، إلى أنّ "هذه الإجراءات اعتبرها كثير من النواب التونسيين، لا ترق إلى مستوى العلاقات بين البلدين"، مشيرة إلى أنّ الطموح كان أن تقوم فرنسا بإلغاء الديون المتوجبة لها عند تونس. ونقلت الصحيفة، عن النائب التونسي رياض جيدان، قوله إنّ أربعاً من بين الاتفاقيات الثماني، التي تمّ التوقيع عليها بين فرنساوتونس، "ليست سوى إعلانات نوايا، وهو ما يعني أنّها غير كافية، وأنّ تونس في حاجة إلى ما هو ملموس"، ساخراً من قول ماكرون إنّ "تونس نموذج تجب مساعدته كي ينجح"، طالباً منه أن يبرهن على ذلك بالفعل.