لايخفى على أحد أن تونس تشهد ما يعرف "بالاسهال الحزبي" حيث وصل عدد الاحزاب في تونس الى 219 حزب سياسي، عدد كبير يعكس فقدان هذه الأحزاب القدرة على العمل بجدية فى إنتاج كوادر حزبية مؤهلة ومدربة على خوض أى إنتخابات سواء برلمانية أو رئاسية ،فالغالبية العظمى من تلك الأحزاب ليس لها أى تأثير يذكر على الشارع التونسي، إذ ينعدم تفاعلها مع القضايا الملحة والتى تشغل بال المواطن بشكل عام . و شهدت الساحة السياسية في تونس مؤخرا ظاهرة جديدة تتعلق باندماج عدد من الأحزاب ذات التوجه الايديولوجي والسياسي المشترك، في خطوة جديدة اعتبرها بعضهم محاولة موفقة لتنظيم مشهد سياسي يعاني التشتت والتخمة، محذرين بالمقابل من خطوات أخرى مشابهة تعتمد على المقايضة السياسية بين بعض أحزاب الائتلاف الحاكم. و في قراءته لهذه الظاهرة ، أكد الأستاذ في العلوم السياسية و المحلل السياسي الصادق مطيمط في حديثه مع "الشاهد" ، ان انصهار الاحزاب في تونس أو ما يعرف بذوبان حزب في اخر يعكس هشاشة هذه الاحزاب و عدم قردتها على تبنّي خطاب قويّ ، في المقابل فإنّ ظاهرة التحالف تعدّ ظاهرة صحية حسب محدثنا وهي من تجليات العمل السياسي الذي يقوم على فن الممكن خاصة و ان تونس في مرحلة حساسة تُعرف بما يسمى بالارهاص السياسي . و يعتمد تحالف او اندماج الأحزاب في بعض الدول من اجل تقوية تموقعها على الساحة السياسية وتشديد المنافسة مع الاحزاب الاخرى وفق قاعدة " في الاتحاد قوة"، سواء بمناسبة الانتخابات او عند القيام بدور المعارضة او في الحكومات الائتلافية، وقد يحصل ايضا بين أطراف ذات أهداف سياسية او افكار مختلفة قصد الفوز في الانتخابات وقطع الطريق امام طرف آخر او لمعارضة حكومة او ائتلاف حكومي. لكن في تونس ظل هذا التمشي محتشما. وكان غازي الشوّاشي الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي ومحمد الحامدي الأمين العام لحزب التحالف الديمقراطي أعلنا اندماج حزبيهما المنتميين للعائلة الديمقراطية الاجتماعية في تنظيم سياسي واحد يحمل اسم التيار الديمقراطي، فيما أعلنت حركة مشروع تونس (ليبرالية) انصهار حزب الوطن الموحد (يضم قيادات من عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي) داخله. ويقول سمير بن عمر رئيس الهيئة السياسية لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية في تصريح خاص لالقدس العربي: "محاولة التقارب بين بعض الأحزاب الوسطية (التيار الديمقراطي والتحالف الديمقراطي) يندرج في إطار محاولة شق طريق ثالث في الساحة السياسية يقوم باستقطاب أصوات الغاضبين من الحزبين الكبيرين نداء تونس والنهضة، خاصة ما يسمى الوسطية الديمقراطية، وهو توجه يندرج في إطار تقوية الصفوف والإعداد لانتخابات 2019 وهو حق مشروع لكل الأحزاب". و راجت مؤخرا الاخبار عن امكانية وجود تقارب بين الحزب الجديد لمحسن مرزوق "حركة مشروع تونس" وبعض الاحزاب الاخرى (مثل الجبهة الشعبية او آفاق تونس او المبادرة..) دون ان يحصل ذلك على ارض الواقع الى الآن. وفي السياق ذاته راجت عدة اخبار حول نية بعض الاحزاب الاندماج في نداء تونس دون ان يظهر ذلك على ارض الواقع. هذا الفشل في تكون تحالفات سياسية او انتخابية يفسره المختصون بالقول ان سببه الوحيد هو الاختلاف بين قادة الاحزاب الراغبة في التحالف حول زعامة الحزب او الجبهة المنبثقة عن التقارب بينهما. فاغلب السياسيين لهم طموح وحيد وطبيعي وهو بلوغ السلطة والذي لا يتحقق عادة إلا بزعامة حزب او جبهة او ترؤس قائمة انتخابية، وبالتالي فان الاختلافات التي تحصل بمناسبة اعداد القوائم الانتخابية او حول ترؤس القائمة او عند تقديم مترشح للرئاسية عادة ما تحكم على نوايا التحالف بالفشل، وهو ما شهدته الساحة السياسية في تونس اكثر من مرة.