رغم المسكنات التي تحاول الجبهة الشعبية أن ترسلها إلى قواعدها بخصوص التفاهم والانسجام غير أن الاختلاف الأيديولوجي الذي سبق وأن عبر عنه عبيد البريكي بتواجد أحزاب قومية مع اليسار سبب أزمة في التعاطي الإيجابي مع المواقف المعلنة وادى ذلك إلى خروج وانسحاب عديد القيادات الحركية من التنظيمات السياسية. وظل الصراع الحزبي يقود مسيرة الجبهة كما ظل تغليب التحزب داخل التنسيقيات يغذي تنامي الصراعات الحزبية وتحويل مهمة الناطق الرسمي الى مهمة امين عام، واُتهم حمة الهمامي مرارا بمحاولة الاستئثار والهيمنة على الجبهة عبر بالتفرد بالظهور الإعلامي وتقديم الأحزاب القريبة منه كفاعلين سياسيين أكثر من البقية. في هذا الشأن، أكد القيادي بالجبهة الشعبية منجي الرحوي في سبتمبر 2016 أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية يوسف الشاهد اتصل به واقترح عليه أن يختار 3 وزارات سيمنحه احداها، مشدّدا على أنّه لم يشارك في أيّ مفاوضات بهذا الخصوص ورفض مقترحه، على حدّ تعبيره. وأكدت مصادر متنوعة أن حمة الهمامي، رفض رفضا قاطعا أن يتولى الرحوي أي منصب في الحكومة، وهو ما كان سببا لبروز خلافات حادة بين الطرفين ظهر بعضها مؤخرا للعلن، عبر تصريحات مختلفة للرحوي. وقد أشار الرحوي الى أن الجبهة الشعبية بالمعطيات الحالية وإمكانياتها الموجودة لا تستطيع وحدها إصلاح تونس، وان القائمين على الحكم حاليا اثبتوا فشلهم في الاصلاح. كما تحدث في تصريح سابق له، أنه لن يدعم حمة الهمامي في حال ترشح للانتخابات الرئاسية، قائلا في اجابة عن امكانية دعمه للناطق الرسمي باسم الجبهة، أنه سيدعم منجي الرحوي. في سياق متصل، صرح القيادي السابق في نداء تونس منذر بالحاج علي ان نداء تونس كان يدعم زياد لخضر لرئاسة البرلمان و كان يجري توافقات مع الجبهة الشعبية لتشكيل المشهد السياسي، مؤكدا أن حمة الهمامي و بعض الاطراف من النداء هم من رفضوا صعود لخضر لرئاسة البرلمان. واكد بالحاج علي ان هذه الخطوة اتخذت خوفا من اتهامهم بالتغول لكن كل التوافقات فشلت قبل المائة متر الاخيرة على حسب تعبيره. هذا وتبرأت الجبهة مؤخرا من حركة البعث قبل ان يتجاوزا الخلاف، لأن أمينها العام التقى برئيس الجمهورية، وأبدى مواقف مساندة لقرارات تونس نددت خلالها باعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني. ويشير مراقبون الى أن الجبهة الشعبية فشلت في إعادة تطوير خطابها وتجاوز إرثها الإيديولوجي اليساري، وتطوير رؤيتها للمشهد السياسي في البلاد بعد ان اختزلته في الصراع الوجودي مع بعض الاحزاب التي تخالفها في التوجه، حتى باتت في عزلة سياسية. هذا وتحاول الجبهة الشعبية إخفاء صراعات داخلية، برزت مع التصريحات المتواترة لقيادييها، بدء من منجي الرحوي ثم عثمان بالحاج عمر، لينضاف اليها تصريح عبد الناصر العويني الذي انتقد فيها عمل الجبهة وتوقع فشلها في انجاح مشروعها، وهو ما اعتبره محللون صراعات كانت خفية بدأت تظهر للعلن، وتتعمق مع اقتراب موعد اجراء الانتخابات البلدية. خروج الصراعات الداخلية للجبهة الى العلن، حسب عديد المراقبين, قد يشكل المرحلة الاولى نحو خلافات حادة وانشقاقات جذرية. ويؤكّد المراقبون ، امكانية تصدع الجبهة الشعبية واندثارها إذا لم تسارع إلى إصلاح بنيتها الداخلية، ومراجعة نمط خطابها، وتداول المواقع داخل هياكلها.