تشهد الساحة السياسية خلال الفترات الأخيرة حركية غير مسبوقة للأحزاب في ظلّ الاستعداد للانتخابات البلدية القادمة والمقرر إجراؤها في 6 ماي القادم .. وقد كثف عدد من الأحزاب السياسية من اعتماد سلاح الشيطنة تجاه حزب حركة النهضة في خطوة لضربه وتشويهه متعمدين تحميلها مسؤولية فشل الحكومات المتعاقبة بما فيها حكومة الوحدة الوطنية والحال أن أغلب وزراء حكومة الوحدة الوطنية من نداء تونس ورئيسها يوسف الشاهد بدوره من نداء تونس. ولم يتوقف امر توجيه أصابع الاتهام وتحميل المسؤولية لحركة النهضة على الأحزاب المعارضة وحسب، وانما انخرط النداء بدوره في هذه الحملة ، وذلك منذ انطلاقه في التخطيط لفكّ رباطه مع الحركة . و يبدو أن تتالي الهزائم، وفشل أغلب المحاولات السياسية في التموقع، أفقدت بعض الأطراف السياسية حنكتها، ورؤيتها السليمة وتقييمها المتعقل للمواقف ومتطلبات المرحلة، مما عقّد إدراكها الشامل للأشياء، وصعّب عليها المحافظة على توازنها السياسي. وتؤكد قيادات النداء في تصريحات متسرعة، وتصعيدية ضد حليفهم السياسي، أن الحزب يرفض تكرار مثل هذه التجربة في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، و ان عديد الأصوات داخله ترى ان علاقة الحزب بحركة النهضة أضرت به وببرنامجه وحضوره. تعليقا على ذلك، اعتبر المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي في تصريح سابق لل"شاهد"، أن تحميل حركة النهضة مسؤولية الفشل، قفز نحو المجهول من قبل قيادات حركة نداء تونس، ومحاولة للتخلص من مسؤولية الفشل، التي هي مسؤولية النداء بدرجة أساسية وجوهرية. وأضاف الجورشي، أنه على حركة نداء تونس أن تجري تقييما ذاتيا معمقا وجديا والا فإنها ستجني نتائج خاطئة. وأكد محدث "الشاهد"، من جهة أخرى أن التحالف بين الحركتين بدأ يستنفذ أغراضه، بالتالي على جميع الأطراف التهيؤ لصياغة مشهد سياسي جديد. و بينما طالب بعض القياديين في حركة نداء تونس بمراجعة علاقتها بحركة النهضة شريكتها الأساسية بالائتلاف الحاكم، رأى مراقبون أن ترويجهم لهذا التوجه ليس إلا محاولة لاستقطاب الناخبين مع اقتراب تاريخ الاستحقاق الانتخابي البلدي المقبل. وتعليقا على ذلك، كان النائب عن نداء تونس محمد سعيدان قد أكد سابقا أن ما جمعهم مع حركة النهضة "لم يكن تحالفا، وإنما مجرد توافق". ويوضح أن حزبه اضطر بعد فوزه ب87 مقعدا من جملة 217 في الانتخابات التشريعية قبل أربعة أعوام؛ إلى "التوافق" مع النهضة التي حصلت على 69 مقعدا -إلى جانب حزبين صغيرين- من أجل تشكيل الحكومة. وأشار سعيدان إلى أنه بعد رفض الجبهة الشعبية يومها الدخول في الائتلاف الحكومي، لم يكن أمام نداء تونس سوى التوجه إلى حركة النهضة لتحقيق الاستقرار السياسي وتمرير القوانين خدمة لمصلحة البلاد وتجنب الدعوة إلى انتخابات مبكرة. ولئن أيد المسؤول بنداء تونس خوض الحركة للانتخابات المحلية بقوائم منفردة تنافس من خلالها بقية الأحزاب ببرامجها وخطها السياسي، إلا انه اعتبر أن حديث قيادات في النداء عن فك الارتباط والقطيعة مع حركة النهضة مجردُ لعبة انتخابية لا غير. في المقابل، اعتبر عضو المكتب السياسي للنهضة محمد القوماني إن تصريحات قيادات نداء تونس الأخيرة تدخل ضمن محاولة امتصاص غضب قواعدها والاستعداد للبلديات بعد الهزيمة الأخيرة. ويؤكد القوماني أن مضمون بيان نداء تونس الأخير لا يتضمن أي إشارة إلى فك الارتباط أو القطيعة مع النهضة أو إنهاء التوافق حول الائتلاف الحكومي أو التعاون بالبرلمان، وإنما تضمن دعوة للمنافسة في البلديات وهذا "أمر بديهي". وشدد على أن خوض الاستحقاقات المقبلة على قاعدة التنافس السياسي النزيه بعيدا عن شيطنة الأحزاب هو الأصل في العملية السياسية. وتابع القوماني أنه رغم حالة التوافق بين النهضة ونداء تونس فإنهما "يختلفان في الكثير من المسائل والقضايا"، لكنه يرفض ادعاء النداء أنه الضامن الوحيد للمشروع المدني والعصري. ويقول "نعتبر أن احتكار الحداثة والمدنية والديمقراطية صورة أخرى لاحتكار الهوية والإسلام". واوضح أن حركة النهضة تعتبر نفسها حركة مدنية وإصلاحية ولا تقبل بمزايدة عليها في هذا الأمر، داعيا إلى التنافس على أساس البرامج المحلية وعدم إفساد مناخ الانتخابات باستعادة خطاب الاستقطاب الثنائي وافتعال التجاذبات.