لا يزال صدى مغادرة محافظ البنك المركزي السابق الشاذلي العياري لمنصبه وتعيين مروان العباسي خليفة له متواصلا، بفعل الإطار العام الحساس الذي يطوق البلاد، فضلا عن ثقل الإرث الذي ينتظر العباسي من مسؤوليات جسام وتحديات كبرى. ورغم حساسية الوضع المالي الذي تعيش على وقعه البلاد ما يجعل مسؤولية قيادة البنك المركزي ثقيلة ، فإن مروان العباسي أبدى ثقة كبرى في قدرته على خلق التوازن. وقد أكد محافظ البنك المركزي الجديد أن الوضع في تونس صعب لكنّه ليس مستحيلا… وعلينا تغيير الممارسات وإيجاد الحلول. وأفاد أنّه صحيح أن تصنيف تونس ضمن القائمة السوداء للبلدان الأكثر عرضة لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب سيكون له تأثير مقلق وصحيح أنّه بالإمكان الخروج من هذا التصنيف لكن ما هو مخيف أكثر هو معدل التضخّم، الذي يواصل نسقا تصاعديا ويمكن أن يبلغ 9 و10 بالمائة وتفاقم العجز التجاري وعجز ميزان الدفوعات والعجز المسجّل على مستوى الميزانية (6،2 بالمائة في 2017). واضاف لمقاومة ذلك يجب علينا العمل والترفيع في الانتاجية والقدرة التنافسية ودفع التصدير وهذا غير ممكن دون تظافر جهود الجميع… علينا أن نصدر اكثر ممّا نورّد لنخرج من الأزمة. وأكّد أنّ تدهور سعر صرف الدينار يعدّ في الأخير نتيجة في ظلّ هذه المؤشرات لدينا ميزان تجاري منخرم وانتاج ليس في المستوى المطلوب واستثمارات قليلة. وأفاد أن الجميع في تونس يتحدثون عن تغيير المنوال الإقتصادي، الذي لا يمكن تغييره دون اعداد الارضية لذلك على غرار تنقيح سياسة الصرف، التي تجعل المؤسسات عاجزة عن ترويج ذكائها في الخارج. واعتبر أن مسألة الصرف ليست مسألة محضورة ويمكن تغييرها باتجاه تحقيق استقرار وتنمية الاقتصاد. واشار الى ان البنك المركزي مسؤول عن الحد من الاقتصاد الموازي من خلال ايجاد الحلول لاعادة ما يناهز 12 مليار دينار الى القطاع المنظم والقطاع البنكي، الذي يمر بازمة سيولة. وتابع لست بالمتفائل الساذج لانني اومن بان الطاقات والمكامن المتوفرة يمكن ان تحقق نموا ارفع بكثير من 2 بالمائة ولا يمكن ان يكون ذلك بين ليلة وضحاها. يجب لذلك تشخيص الاخلالات نوعيتها وكيفية تصحيح الاوضاع باتجاه دفع الانتاجية والتصدير لدينا قطاعات واعدة على غرار التكنولوجيات الحديثة. وقال إنّني أومن بالمصعد الإجتماعي وأكثر شيء التعليم لقد مررنا بجامعات ومدارس كانت في مستوى عالمي ولا يمكن ان نحقق نموا برقمين الا اذا عوّلنا على قطاعات الذكاء. " ومنذ العام الفارط، تعاني تونس من تصاعد معدلات التضخم حيث ارتفع المؤشر من 4.6 في المائة خلال شهر جانفي 2017 إلى 5 في المائة في شهر أفريل، تبعه استقرار عند 4.8 في المائة خلال شهري جوان وجويلية، ثم ارتفع من جديد ليسجل مستوى 6.3 في المائة خلال شهر ديسمبر الماضي، و6.9 في المائة في جانفي 2018، الذي تؤكد منظمات مالية دولية أنه أعلى مستوى للمؤشر منذ 2011. كما عرف حجم العجز المسجل على مستوى الميزان التجاري خلال السنة الماضية أرقاماً قياسية، وبلغ بنهاية العام الماضي نحو 15.592 مليار دينار ، وهو ما يتطلب قرارات عاجلة للسيطرة عليه. ووفق خبراء تونسيين في مجالي الاقتصاد والمالية، سيواجه محافظ البنك المركزي الجديد عدداً من المصاعب الاقتصادية والمؤشرات السلبية التي تتطلب حلولاً عاجلة لن يوفرها محافظ البنك الجديد وحده، بل إن هناك حاجة إلى عملية إنقاذ اقتصادي، وعودة محركات الإنتاج إلى الدوران، وتوفير مناخ للاستثمار المحلي والأجنبي. واعتبر أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي أن هامش المناورة أمام محافظ البنك المركزي التونسي الجديد ضئيل جدا بفعل القانون الاساسي للبنك المركزي الذي أسس سياسة مرنة لسعر صرف الدينار تقف خلفها برامج صندوق النقد الدولي واتفاق التسهيل الممدد لاقراض تونس مما يحتم تقاربا عاجلا بين الحكومة والبنك المركزي. ولاحظ الشكندالي ان مشاكل الاقتصاد التونسي زادت منذ تطبيق القانون الاساسي للبنك المركزي التونسي والذي ادي الى تحجيم تدخل البنك المركزي في سوق الصرف علما وان استقلالية البنوك المركزية في مجال الصرف تطبق في دول مستقرة وليس في بلدان في وضع انتقالي. وبين الشكندالي ان هذا الامر سينعكس على بابين من ابواب ميزانية الدولة يتعلق الاول باستخلاص الديون الخارجية بفعل تراجع قيمة الدينار التونسي الى جانب ارتفاع الدعم الموجه نحو واردات بعض المنتوجات( القمح اللين) . وبين أن المركزي التونسي ينتهج حاليا سياسة نقدية حذرة (تقلص من ضخ الاموال ) مشددا على ضرورة تدخل السوق لضبط السياسة النقدية للقضاء على التضخم ليس من خلال ترفيع سعر الفائدة في السوق النقدية الذي ادي بدوره الى ارتفاع الاسعار. واوصى الشكندالي الحكومة والبنك المركزي باقرار سياسة مزدوجة (سياسة تزواج بين السياسة النقدية والجبائية) ومراجعة السياسة المرنة للصرف خاصة وان الحكومة التونسية اتجهت الى فرض الضرائب والاتاوات لتعبئة التمويلات خلال 2018 وان سياسة البنك والحكومة حاليا متباعدة مما يتطلب التقارب بينهما على قوله. واشار الى ان عدم التنسيق بين الحكومة والبنك المركزي التونسي تجلى اساسا في اقدام الاتحاد الاوروبي على تصنيف تونس ضمن قائمة سوداء للدول الاكثر عرضة لمخاطر تبييض الاموال وتمويل الارهاب. وبين انه يتعين على محافظ البنك المركزي التونسي الجديد ان لا يعمد الى تعويم الدينار والذي افضي الى نتائج وخيمة ادت الى تراجع سعر صرف العملة المحلية مقابل الدينار وارتفاع الاسعار . وطالب الشكندالي بضرورة الدفع نحو هدنة اجتماعية ( الاعراف والشغالين) مع تحقيق توافق اقتصادي يصاحب التوافق السياسي وان تلعب الحكومة دورا في تسهيل الاجراءات." ومن جانبه يرى الخبير المالي، وسام غربال، أن القطاع البنكي سيشهد تغييرات بتولي المحافظ الجديد، مروان العباسي، إدارة البنك المركزي، مؤكداً أن المحافظ الجديد مطالب بالإفصاح على نظرته الجديدة في إدارة السياسة المالية. وتوقع الخبير المالي، أن يتخذ المحافظ الجديد إجراءات جديدة تفرض نجاعة أكثر للقطاع المصرفي، عبر توسيع تدخلاته في تمويل الاقتصاد أو التداول في البورصة. وقال غربال، إن من مهام المحافظ الجديد، التحكم في نسبة التضخم، والحد من التدخل المتواصل والمفرط للبنك المركزي لضخ السيولة في البنوك، مشيراً إلى أن المركزي التونسي يضخ حالياً 12 مليار دينار في البنوك، أي نحو 5 مليارات دولار، وهو رقم قياسي، وفق تقديره. واعتبر أن محاصرة التداول المالي خارج الأنشطة المنظمة واستقطاب أموال القطاع الموازي نحو الاقتصاد المنظم، سيساهمان بشكل كبير في خفض نسبة التضخم، متوقعاً تغييرات مهمة في القطاع المصرفي في تونس، خلال المدة القادمة.