بات انقلاب المواقف و تناقض الآراء سمة تميّز الفاعلين السياسيين في تونس ، إذ أضحت المواقف في الاونة الاخيرة تتلون حسب الظروف و حسب الاهواء ما يدفعنا الى التساؤل حول الدافع النفسي الذي يدفع ببعض السياسيين لممارسة "فن التناقض". و يبدو أنّ وزير التكوين المهني و التشغيل فوزي عبد الرحمان من هواة هذا "الفن" ، خاصة و أنّه كشف في حضور له امام مجلس النواب أنه يمارس "فن التناقض" بامتياز . وقدّم وزير التشغيل فوزي عبد الرحمان موقفا معاكسا لما أدلى به في السابق في ما يتعلق بملف آليات التشغيل و مدى نجاحها ، فبعد اعتراف له في الجلسة العامة التي عقدت في نوفمبر الفارط بفشل آليات التشغيل ، خرج نفس الوزير لنفس المجلس بتصريح مخالف تماما و كأنه يراهن بذلك على الذاكرة الضعيفة لنواب المجلس . و خلال خطابه بمجلس الشعب يوم الاربعاء 14 فيفري 2018 ، ثمّن وزير التشغيل فوزي عبد الرحمان مردودية كل من "عقد الكرامة" و "فرصتي" و نجاحهما في تقديم نتائج هامة ، وفق تعبيره ، بتمكين برنامج فرصتي من ادماج 50 في المائة من المسجلين و تسجيل عقد الكرامة 90 في المئة كنسبة ادماج . هذا الوزير نسي أنه أعلن في 25 نوفمبر من سنة 2017 ، عن إيقاف العمل بخمس آليات تشغيل من بينها برنامج "فرصتي"، و ذلك خلال جسلة عامة عقدت للمصادقة على مشروع ميزانية وزارة التشغيل، مؤكدا أن عدد طالبي الشغل المسجلين في الهياكل التابعة للوزارة يقدر ب 188349 عاطلا عن العمل. و أكد آنذاك ان الوزارة و من خلال عملية تقيمية أثبتت عدم جدوى خمس آليات في مجال التشغيل، ولذلك سيتم التخلي عنها ولن يتم الابقاء سوى على ثلاث آليات من بين ثمان معتمدة حاليا، على أن يتم اصلاحها أو تعديلها على غرار عقد الكرامة، وذلك في اتجاه تبسيط الاجراءات المتعلقة بالانتفاع به وكذلك دعم برنامج التربص للاعداد للحياة المهنية، وقد يتم إضافة آلية جديدة تعنى بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني . وأكد أن برنامج فرصتي الذي رصدت له اعتمادات ب 80 مليون دينار لم يساهم سوى في إبرام 76 عقد بعث مشروع وتوقيع 58 عقد شغل وهي نتائج هزيلة جدا وتسجل في خانة الهدر للمال العام، بحسب الوزير، الذي قرر لكل هذه الاسباب إيقاف العمل به. و يرى مراقبون انه من الغريب ان يصدر عن مسؤول في الدولة موقف معين و في نفس الفترة ينقلب إلى نقيضه ، غير مبال بذلك بموقعه كوزير أو بكلامه الموجه لمجلس النواب ، العتاب لم يتوقف عند شخص الوزير بل شمل ذلك النواب الذين لم ينتبهوا لهذا التناقض و لم يعلقوا عليه . وكان النواب انتقدوا خلال جلسة عامة خصصت للاستماع إلى خمسة وزراء، من بينهم وزير التكوين المهني والتشغيل، تعدد آليات التشغيل، وعدم جدواها إلى حد اعتبارها شكلا من أشكال إهدار المال العام. وفي هذا السياق، اعتبر النائب غازي الشواشي أن آليات التشغيل بتعددها تمثل اهدارا للمال العام خصوصا في ظل عدم التوصل إلى وضع برمجة ناجعة وكفيلة باحداث مواطن شغل، مشيرا، في هذا الخصوص، إلى برنامج فرصتي الذي قال إنه استنزف أكثر من 80 مليون دينار لتشغيل 57 شخصا فقط، وكذلك برنامج الخدمة المدنية التطوعية التي ينتظر المنتفعون بها تسوية وضعيتهم. ولاحظ النائب زهير الرجبي أن هنالك العديد من آليات التشغيل ولكن الشباب الطموح لا يعلم كيف يستغلّها، مبرزا أهمية شروط القرض الميسّر (مبادرون)، وداعيا إلى توضيح كيفية التصرف في الإعتمادات التي لم يقع تبويبها ومدة الإنجاز. وطالب النائب عماد أولاد جبريل وزارة التشغيل والتكوين المهني بتقديم برامج تشغيل مدروسة لاستيعاب خريجي التعليم العالي والاستفادة منهم للتصدي لهجرة العقول.