مع انطلاق العملية الانتخابية بفتح باب تقديم ترشحات القائمات الانتخابية، وانتقال التنافس الحزبي الى درجاته القصوى، دخل المشهد السياسي مرحلة من السريالية في كثير من تمظهراته وتجلياته ولم يعد يخضع للمتعارف عليه في العلوم السياسية، حتى أضحت كل مستجداته مبهمة وغير مفهومة تحمل كثيرا من العبث السياسي. وهو ما يفتح الابواب على مستقبل غامض تتلاقفه التجاذبات الحزبية والتصريحات السياسية، التي تصور صورة قاتمة عن تونس وديمقراطيتها الناشئة وهو ما أثاره تصريح السياسي المخضرم ومؤسس الحركة الديمقراطية نجيب الشابي الذي انتقد بشدة النخبة السياسية الحاكمة معتبرا أن تونس اليوم "لا تملك قيادة ولا دولة ولا توجه ولا برنامج"، فيما رأى مراقبون أن الانتقادات تأتي في إطار حملة سابقة الأوان للانتخابات البلدية. وقال الشابي "إن التونسي يعيش حالة من الإحباط وفقد الثقة في النخبة السياسية"، مضيفا "نحن لا نملك شيئا في هذه البلاد لا قيادة ولا دولة ولا توجه ولا برنامج". كما هاجم محسن مرزوق الأمين العام لحركة مشروع تونس بشدة كل من حزب النداء وحركة النهضة مشددا على أن من يريد إنقاذ تونس ونفسه عليه أن يختار طريقا أخرى غير طريق الحزبين وأناسا آخرين. وقال مرزوق في تدوينة على موقعه الرسمي بصفحات التواصل الاجتماعي "الفايس بوك" إن "الأحزاب التي تحكم تريد من الناس أن يعطوها الثقة مرة أخرى بعد فشلها". كما انتقدت الهيئة التأسيسية لحركة تونس الى الامام ما وصفته ب"اللامبالاة" التي تعتمدها الحكومة و"صمتها الرهيب" في علاقة بما يحدث في الحوض المنجمي رغم ما له من تداعيات خطيرة على الاقتصاد وعلى التشغيل وعلى الواقع الإجتماعي في المنطقة إضافة إلى عدم سعيها إلى تطويق عوامل التوتّر في مجالات التعليم العالي والثانوي وكذلك بالنسبة للأطباء الشبّان وعدم مأسسة الحوار الوطني من خلال تشكيل المجلس المصادق عليه وتفعيل دوره. هذا أفاد النائب في مجلس نواب الشعب عن الجبهة الشعبية عمار عمروسية بأنّ الحكومة دخلت منذ أشهر لغرفة الإنعاش. وتحدّث عمّار عمروسية عن أهم الأزمات التي تتخبّط فيها الحكومة وخاصّة منها إدراج تونس في قائمة سوداء وتراجع احتياطي العملة الصعبة إلى 84 يوما فقط وتعطّل انتاج الفسفاط منذ شهر جانفي والتحرّكات الإحتجاجية. في هذا الشأن، أكد المحلل السياسي جمعي القاسمي في تصريح ل"الشاهد"، أنه لم يبرز الى حد الان حراكا سياسيا في مستوى الاستحقاق البلدي ما عدا بعض المناوشات الكلامية التي تؤشر الى أن الحملات الانتخابية ستكون ساخنة. وأوضح القاسمي إلى ان المسألة مفهومة بما أن المرحلة مازالت في طور تقديم القائمات الانتخابية، لكن ذلك لم يمنع من بروز بعض التجاذبات تحت سقف الانتقادات لهذا الحزب أو ذاك خاصة على ضوء الجدل الذي أحدثته الخطوة التي أقدمت عليها حركة النهضة بترشيحها يهوديا على رأس إحدى قائماتها. من جهته، أكد المحلل السياسي عبد اللطيف دربالة في تصريح ل"الشاهد"، أن أسباب هذا الغموض بالنسبة للسياسيين تعود الى "تخوفهم من نتائج الانتخابات لأنها ستعطي فكرة واضحة عن حجم الأحزاب السياسية ومدى شعبيتها بصفة حقيقية وواقعية ما سيؤثر وجوبا على الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة بعد حوالي سنة ونصف". وأشار في سياق متصل الى أن التونسيين أصبحوا منشغلين بالاستعدادات الكبيرة للأحزاب لخوض هذا الاستحقاق الانتخابي، وسط شعور بحالة من الإحباط واليأس من الطبقة السياسية نتيجة تردي الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وإدراكهم ان كل الطبقة السياسية الموجودة حاليا على اختلافها قد أثبتت فشلها في النهوض بمستوى عيشهم وتحسين ظروف حياتهم رغم وصول مختلف الفرقاء السياسيين للسلطة في فترات مختلفة منذ الثورة.