تمضي تونس قدما في الحرب التي تشنها منذ أشهر ضد الفساد من خلال جملة الاجراءات التي تقوم بها من اعتقالات متواترة لأطراف ثبت تورطها في قضايا فساد مالي ، و مصادرة أموال لرجال أعمال فاسدين ، فضلا عن إصدار قوانين جديدة تكافح الكسب غير المشروع والفساد في القطاع العام .. بيد أنه في تقييم الحصيلة التي كشفت عنها الحكومة تبين ان النتائج لم ترق بعد إلى التطلعات التي كانت متوقعة منها. وفي خضم هذا الشأن، أفاد رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب، بأن تونس سجلت تقدما بنقطة واحدة على مستوى مؤشر مدركات الفساد في القطاع العام لسنة 2017 الذى أعدته منظمة الشفافية الدولية، واحتلت بذلك المرتبة 74 من بين 180 دولة بتحقيق 42 نقطة على 100 ، وهو ما يعتبر دون المأمول لا سيما وأنها لم تبلغ الهدف المبرمج بتحسين ترتيبها بخمس نقاط على الأقل في ظرف عامين. وأكد الطبيب، أن هذا التحسن الطفيف غير كاف وانه بإمكان تونس أن تتقدم أكثر في هذا المجال، مبينا أن تحسين هذا الترتيب يظل رهين الإنخراط الجدي للحكومة في تفكيك منظومة الفساد، وخلق بيئة واقعية لمقاومتها مع تشجيع سياسات الحوكمة الرشيدة . وأضاف أن الدولة مطالبة بمكافحة الفساد ليس فقط عبر إمضاء الإتفاقيات، بل كذلك بفرض إلزامية تطبيق النصوص التشريعية، وذلك بإصدار الأوامر التنفيذية التي تترجم القوانين إلى فعل واقعي ملموس يطمئن المواطن ويعيد ثقته في الإدارة، مع تشجيع المبادرات الإصلاحية في هذا الإتجاه. وأعرب في ذات السياق، عن أسفه لعدم تشجيع الحكومة ممثلة في وزارة الشؤون المحلية والبيئة، للبلديات التي تعتبر أنموذجا في تكريس جهود مكافحة الفساد، والتي أمضت اتفاقيات تعاون مع الهيئة، على غرار بلديات منوبةوتونس وثلاث بلديات بجربة وبن عروس والقلعة الكبرى، وذلك من خلال تخصيص منح لفائدتها لدعم قدراتها. وصرح رئيس الهيئة في هذا الإطار، بان الحكومة لم ترصد بعد الميزانية المتعلقة بالإستراتيجية الوطنية للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، الممضى عليها منذ ديسمبر 2016 ، مبينا أن تشجيع نماذج النزاهة و خلايا الحوكمة تمثل أحد أهم محاور هذه الإستراتيجية الوطنية . واعتبر أن تخصيص دعم للبلديات المنخرطة في مسار مكافحة الفساد، من شأنه أن يشجع على الإنخراط في الجهود الوطنية في هذا الإتجاه، ويحفز باقي البلديات على الإمضاء على اتفاقيات التعاون مع الهيئة على غرار البلديات المذكورة، وذلك بهدف إرساء مبادئ الحوكمة الرّشيدة صلبها، مبينا أن أغلب الإدارات ومؤسسات الدولة وهياكل المجتمع المدني، أعربت عن إستعدادها للإنخراط في هذا المسار بدعم من أطراف أجنبية، على غرار برنامج الأممالمتحدة الإنمائي والمعهد الجمهوري الأمريكي. وكان الطبيب قد أكد في تصريح سابق ان الفساد في تونس يقتصر فقط على قلة من المستفيدين من مقدّرات الدولة ولاسيما من الذين يستغلون الشعور العام المنتشر لدى نسبة هامة من الرأي العام الوطني بأن الفساد استشرى في البلاد ولم يعد من الممكن مقاومته والقضاء عليه. وذكر الطبيب أن تونس حققت خلال السنتين الأخيرتين عديد النجاحات الهامة في مسار الحرب على الفساد ولا سيما في المجال التشريعي، مشيرا في هذا السياق الى صدور قانون خاص للتبليغ عن الفاسدين وحماية المبلغين والى القانون الأساسي للقطب القضائي الاقتصادي وكذلك الى القانون المتعلق بالحق في النفاذ الى المعلومة. وأكد أن مصادقة البرلمان على القانون المتعلق بالتصريح بالمكتسبات وتجريم الاثراء غير المشروع وتجريم تضارب المصالح من شأنه اجبار عدد كبير من المسؤولين الحكوميين والاداريين والسياسيين على التصريح بممتلكاتهم وممتلكات زوجاتهم وأبنائهم القصر، ملاحظا أن مجمل هذه التشريعات ستكون بمثابة الحواجز التي تمنع الفساد وتضع حدا لوضعية الإفلات من العقاب. وشدد شوقي الطبيب على أهمية تثمين كل الجهود الوطنية المشاركة في الحرب على الفساد الذي يحول، وفق تعبيره ، دون تحقيق ما يقارب أربعة نقاط سنويا في نسبة النمو، ويتسبب في خسارة الدولة لحوالي 2000 مليون دينار عند إبرام الصفقات والشراءات العمومية، مشيرا كذلك الى أن التهريب والاقتصاد الموازي يتسبب في نزيف بحوالي 800 مليون دينار من حجم ميزانية الدعم الموجهة للمواد الأساسية الغذائية. تجدر الإشارة الى أن الاتفاقية الممضاة هى الخامسة على المستوى الوطني التي تمضيها الهيئة الوطنية لمقاومة الفساد مع البلديات، وترمى إلى جعل بلدية القلعة الكبرى جزيرة النزاهة ونموذج للشفافية والانفتاح على المحيط ، وفق تعبير رئيس الهيئة شوقي الطبيب. وذكر الطبيب بأن الهيئة وقعت سابقا في إطار الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد اتفاقيات مماثلة مع بلديات جربة ميدون ، ومنوبة ، وبن عروس ، وتونس العاصمة، وذلك بهدف دعم مقومات الحوكمة الرشيدة والتشاركية المفتوحة والشفافية صلب هذا المرفق العمومي الهام. وأضاف أن برنامجا مشتركا سيتم وضعه بمقتضى هذه الاتفاقية يشمل بالخصوص المساعدة على تنمية قدرات الموارد البشرية ببلدية القلعة الكبرى حتى تصبح بلدية نموذجية في مكافحة الفساد تنسج بقية البلديات على منوالها. من جهته دعا والي سوسة عادل الشليوي بقية بلديات ولاية سوسة الى توقيع إتفاقيات مماثلة مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والنسج على منوال بلدية القلعة الكبرى، مؤكدا إستعداد كافة مصالح ولاية سوسة لتذليل العقبات ومواصلة التنسيق مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. يذكر أن الحكومة كشفت الشهر المنقضي عن حصيلة مؤقتة لحربها ضد الفساد التي أعلنتها العام المنصرم . وقد شملت الحملة إيقاف رجال أعمال وكوادر في الدولة، إلى جانب حجز بضائع، في الوقت الذي يرى محللون أن هذه الإجراءات غير كافية لإنهاء آفة الفساد. ومنذ إعلانها عن انطلاق حربها على الفساد، أوقفت السلطات، 33 موظفا في الإدارة و22 من رجال الأعمال. وتقدر قيمة الطلبات المالية في القضايا التي تتعلق برجال الأعمال بنحو 3600 مليون دينار ، بحسب ما نقلته وكالة تونس افريقيا للأنباء عن رئاسة الحكومة في قضايا جرائم تتعلق بتبييض الأموال، وتهريب عملة وجرائم أخرى ديوانية. كما وقع حجز ، بضائع تقدر قيمتها بنحو 20 مليون دينار، تعمل الدولة على التفويت فيها لمصادرة مداخليها، فيما وصل حجم التهرب الضريبي من الديوانة نحو 119 مليون دينار. ومن بين الإداريين الذين شملتهم الحرب ضد الفساد، كوادر وموظفين في وزارات التجارة والمالية والصحة والداخلية والبيئة. وتأتي هذه الملاحقات في سياق حرب ضد الفساد، كان رئيس الحكومة يوسف الشاهد قد أطلقها في ماي الماضي، وتعهد في أكثر من مناسبة بمواصلتها. وفي تعليقه على الأرقام التي وردت بهذه الحصيلة، يقول المحلل السياسي مختار الدبابي إن "إلقاء القبض على 22 من رجال الأعمال المشبه فيهم، يعتبر رقما كبيرا خاصة إذا نجح القضاء في إثبات تهم مالية ضدهم وفي حال تم تحويل أموالهم المصادرة لبعث مشاريع تنموية في المناطق الداخلية المحرومة". ويستدرك المحلل السياسي بالقول إن "إعلان ضبط 33 موظفا في الدولة، يعتبر رقما هزيلا بالنظر إلى حجم الفساد الذي ينخر الإدارة التونسية"، مرجحا أن تكون السلطات قد "ضحت بهذه القائمة الضيقة من الموظفين لتجنب غضب الإدارة ذات النفوذ الواسع، والتي يتحدر منها أغلب المسؤولين الكبار بالبلاد".