مُذْ اندلعت ثورة الحرية والكرامة المجيدة التي كانت الشرارة الأولى للربيع العربي، ما انفكت دولة الإمارات العربية تسعى جاهدة إلى لعب دورها التخريبي الذي تضطلع به والذي ما فتئ يتعاظم و يتغوّل في المنطقة يوماً بعد يوم على جلّ الأصعدة. وتنظر معظم الشعوب العربية في الدول التي انطلقت فيها ثورات الربيع العربي إلى الإمارات باعتبارها أحد أبرز أركان الثورات المضادة، ولم يقتصر دور الإمارات في دعم الانقلابات والتحريض على شن الحروب الداخلية بين المكونات الشعبية، على الموقف السياسي والدبلوماسي، في محاولة لكسر إرادة الشعوب، بل وصل حد التآمر وإثارة الفتن والتمويل السخي من أجل خلق البلبلة صلب الأنظمة العربية وجرّها نحو مصير مروّع.. ولعلّ من الثابت أن الفترات الأخيرة جاءت مرفوقة بأنباء يطوّقها الجدل حول ما تقوم به الإمارات من خطوات مثيرة للجدل في عدد من البلدان العربية ، على غرار الأحداث المتسارعة التي عاشت على وقعها تونس في علاقة بهذه الدولة. و منذ بداية أزمة حصار الدول الأربع، وعلى رأسهم السعودية والإمارات لحصار قطر، سعت الإمارات للضغط على تونس لأخذ موقف مشابه، والاصطفاف معها تجاه قطع العلاقات مع قطر؛ لكن تونس أخذت مسارًا مغايرًا، وأخذت موقفًا محايدًا من كلا الطرفين، بل دعت إلى الحوار بينهما. تمثل هذا الموقف الرسمي في التصريح الذي صدر من وزير الخارجية خميس جنيهاوي، الذي أشار إلى «أنّ تونس تقف على المسافة نفسها من كلّ أطراف الصراع، وعليها الحفاظ على علاقتها الجيّدة مع كلّ الدول، وقال: إنّ العالم العربيّ يشهد مشاكل عدّة، ولا نريد المزيد من الأزمات». بيد أن وقوف قطر الى جانب تونس و تقديمها الدعم الكامل لها ولجهودها في انجاح المسار الديمقراطي لم يَرُق دولة الإمارات التي تسعى جاهدة لتعكير صفو العلاقات التونسيةالقطرية ، سواء بتجنيد أتباعها من سياسيين وإعلاميين في تونس أو بنشر الإشاعات التي من شأنها توتير علاقة البلدين. وفي مقال نشرته صحيفة موند افريك الفرنسية ، تحت مقال بعنوان "تونس؛ المال الإماراتي سبب المتاعب" السبت 24 فيفري 2018 ، أكدت فيه أن الإماراتيين الذي يريدون قصّ أجنحة "أعدائهم" القطريين مستعدّون لتعديل قواعد اللعبة السياسية في تونس وضرب حركة النهضة لقربها من دولة قطر. ولفت نص المقال، الذي خطّه الكاتب الفرنسي نيكولا بو ، إلى أن الأمين العام لحركة مشروع تونس محسن مرزوق، الذي يظهر طموحات للسباق الانتخابي الرئاسي، يبدو أكثر فأكثر قريبا و "وفيا" إلى الإماراتيين ، بعد أن كان يحظى بمناصب فخرية في قطر بين سنوات 2007 و 2010 . كما أشار مقال موند افريك الى أن شبكة علاقات محسن مرزوق تشارك في الاتحاد الأوروبي و في دول الخليج ، بما فيهم البحرين، دكتاتورية سنية ‘ودّية' ، في الندوات التي ترعاها الملكية النفطية ، ويدينون اللّعبة المزعومة ضد قطر بخصوص الإرهاب. ونقلا عن مصادر أمنية جزائرية، تعمل الأجندات الإماراتية على دفع حلفائهم في تونس إلى تشكيل تحالفات سياسية حاسمة لزعزعة الأغلبية القائمة. وبعد إجراء محادثات مع رئيس الحكومة السابق المهدي جمعة، يعمل محسن مرزوق رفقة هذا الأخير على توسيع القاعدة السياسية الضيقة، في مواجهة التوافق القائم منذ 2015 بين حركة النهضة على رأسها راشد الغنوشي ونداء تونس على رأسها مؤسسه الباجي قائد السبسي. و أبدت كل من الإمارات والسعودية استعدادهما ، من خلال صندوق استشارة في بلجيكا، لتمويل حلفائهم في تونس بسخاء في حال تمكنوا من إزاحة حركة النهضة نهائيا من الحكم. وقد جاء في نص المقال، أن وقع ، خلال الحملة الانتخابية للباجي قائد السبسي في سباق رئاسيات 2014 ، توزيع أموال من الامارات خلال الحملة الرئاسية لعام 2014 ، على أمل أن يزيح الباجي حركة النهضة من الحكم بمجرد صعوده ، وهو ما لم يحدث ، الأمر الذي أثار استياء أبو ظبي. هذا ونوه الصحفي الفرنسي في مقاله بأنه يبدو جليا و واضحا من الدول البترولية ال"أونتي_قطرية" أن تقوم بكل ما في وسعها، قبل موعد الانتخابات البلدية المقرر إجراؤها في ماي القادم ، كي لا تتمكن حركة النهضة من الفوز بأصوات الناخبين ، سيما و أن تموقعها يعدّ جدّ مترسخ في صفوف التونسيين منذ اندلاع شرارة الربيع العربي، فضلا عن توافقها مع نداء تونس من شأنه أن يضمن لها تموقعها في مختلف البلديات بتونس ، مما يحفّز أكثر تجذّر حركة النهضة في سلط القرار ، الأمر الذي لا يروق الإمارات و حلفاءها في تونس ويدفعهم إلى التصدي له بكلّ الأثمان.