يبدو المشهد السياسي التونسي، على بعد خطوات من تغييرات جذرية ستعيد تشكيل المشهد السياسي برمته، خاصة بعد المواقف التصعيدية بين قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل ورئاسة الحكومة التي وصفها محللون بالحرب الباردة التي قد تغير مجرى هدوء العلاقة بين الطرفين خلال الاشهر الاخيرة. واقع الحال يحيل الى التصريحات التصعيدية لكل من الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد بخصوص مسألة إجراء التعديل الوزاري، وهو ما ينذر بإمكانية فقدان الحكومة ورقتها القوية الداعمة لسياستها. هذا وطبع التوتر وطابع التحدي أسلوب الخطاب الذي اعتمده الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل خلال إشرافه على المؤتمر الجهوي بتونس، ضد رئيس الحكومة، عكس بين كلماته بوادر ازمة بين تعدّ الأولى منذ الامضاء على اتفاق وثيقة قرطاج. الطبوبي وجه خطابه مباشرة لرئيس الحكومة وقال انهم لا ينازعونه صلاحياته لكن الاتحاد ليس مجرد ديكور او طرف جيء به للترويج والتسويق الاعلامي بل هو طرف فاعل. وكان ذلك بمثابة الرد على تصريحات يوسف الشاهد الاخيرة التي قال فيها أن مسألة التعديل الوزاري تهم رئيس الحكومة وحده باعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية وهو من يقرر بخصوص الشأن الحكومي. وأضاف الشاهد أن الحكومة تعمل على أهداف رسمتها فور بدء عملها وستعمل على تحقيقها في أفق 2020 مؤكدا أن التحوير لايكون لمجرد التحوير أو التغيير بل يجب أن يكون وفقا لأهداف وبرامج مرسومة بدقة. من جهته، اعتبر الاتحاد هكذا مطلب من حقه بوصفه منظمة وطنية موقعة على وثيقة قرطاج التي تشكلت بناء عليها الحكومة، رأى الشاهد أن الاتحاد تجاوز دوره كقوة مدنية معنية بالدفاع عن حقوق العمال ليتدخل مباشرة في صلاحيات رئيس الحكومة. ويرى اتحاد الشغل في المقابل، أنه معني مباشرة بالشأن العام بما في ذلك تركيبة الحكومة وأدائها ومدى التزامها بتعهداتها التي نصت عليها وثيقة قرطاج. وردّ الطبوبي في سياق متصل على الشاهد الذي قال في آخر ظهور إعلامي له، حول تفويت الحكومة في 10 بالمائة من المؤسسات، قائلا "لا انت ولا من معك يعيدنا لتجربة 1990′′ مضيفا "إن التفويت في القطاع العام لن يتم وهو خط أحمر" مشددا بالقول "هذه ليست شعارات وخطب رنانة بل هي قناعة راسخة ولا يمكن باي حال من الأحوال أن تتلاعبوا بهذا القطاع"، كما أشار إلى أن ال 10 بالمائة التي تحدث عنها رئيس للحكومة هي قطاع التبغ والوقيد وبنك الاسكان. وكان اتحاد الشغل قد غيّر خلال الاسبوعين الماضيين موقفه من الحكومة وغير تصريحاته من مساند الى منتقد، وصل حد المجاهرة بضرورة ادخال تعديل وزاري على الفريق الحكومي و ضخ دماء جديدة في الحكومة و تدعيمها بكفاءات جديدة للحد من تفكك اجهزة الدولة وتحقيق التقارب في وجهات النظر بين مختلف الأطراف. كما نقل الاتحاد انتقاداته للحكومة إلى النقابات القطاعية مثل نقابة التعليم الثانوي القوية والتعليم العالي والأطباء والبريد ليمارس من خلال الإضرابات نوعا من الضغوط الاجتماعية والسياسية على الحكومة. ورغم أن الشاهد شدد في أكثر من مرة على أن علاقته بالاتحاد ستحكمها سياسة الحوار والتشاور حول مختلف الملفات وفي مقدمتها الملف الاقتصادي والاجتماعي، غير أن الاتحاد انتهج سياسة الضغط تجاه الحكومة مستفيدا من الأوضاع الاجتماعية المتدهورة حيث ما انفك يحمل مسؤوليتها للحكومة والحال أن الأزمة تتجاوزها. ومن أهم الملفات المرشحة لإشعال "حرب" بين الشاهد والاتحاد هو ملف خصخصة عدد من مؤسسات القطاع العام التي تشكو صعوبات مالية إلى حد الإفلاس. من جهته، أكد المحلل السياسي عبد الله العبيدي في تصريح ل"الشاهد" أن الاتحاد بقي الحليف الاساسي لرئيس الحكومة، بالتالي له الحق في انتقاد التشكيلة الحكومية التي يدعمها بعد أن راقب عملها عن كثب، خاصة أن بعض الاحزاب انسحبت من وثيقة قرطاج فيما بقي ممثلوها في الحكومة. ويرى مراقبون إن توتر علاقة الحكومة بالاتحاد هي أعمق من الخلاف حول معالجة الإصلاحات لتشمل أبعادا سياسية تشمل دور المركزية النقابية في الشأن العام. هذا وأكد الأمين العام المساعد المكلف بالقطاع الخاص محمد علي بوغديري في تصريح ل"الشاهد"، أنها غير مطروحة حاليا، وأن المنظمة حريصة على تفعيل كل النقاط الواردة بالاتفاق. ولفت البوغديري في المقابل، الى أن بقاءهم في الوثيقة لا يعني دعمهم اللامشروط للحكومة، وأن الاتحاد سيتابع أداء الحكومة وسيقيمه، ولن يكون شاهد زور على تقصيرها. هذا وتبدو الحكومة مجردة من الإسناد السياسي الكافي بعد انسحابات الأحزاب الديمقراطية ما جردها من مفهوم "الوحدة الوطنية".