يبدو أن المشهد السياسي التونسي، على بعد خطوات من تغييرات جذرية ستعيد تشكيل المشهد السياسي برمته، خاصة بعد المواقف التصعيدية التي باتت تميز موقف الاتحاد العام التونسي للشغل تجاه الحكومة، بعد أن كان السند الأكبر لها في وقت تخلت عنها أغلب الاحزاب بمن فيها نداء تونس، وبعد انسحاب عدد من الأحزاب من وثيقة قرطاج. ولئن تسبب انسحاب بعض الأحزاب في إضعاف الحزام السياسي للحكومة، فإن إمكانية خروج المنظمة الشغيلة التي باتت الورقة القوية من وثيقة قرطاج قد يصيبها بالوهن بالنظر الى الدور الريادي الذي لعبته المنظمة طيلة السنوات الماضية وتعزز خلال الاشهر الاخيرة ودعمه للحكومة في مواجهة عرقلة الاحزاب السياسية وغضب الشارع. وقد يدفع تصريح الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل سامي الطاهري باتجاه إمكانية مغادرة المنظمة لاتفاق قرطاج، وانتهاء الود بين منظمته والحكومة، حيث أكد أن الأمين العام نور الدين الطبوبي عندما دعا إلى ضخ دماء جديدة في الحكومة لم ينازع رئيسها في صلاحيته. وكشف الطاهري في تصريح لإذاعة موزاييك أف أم أن الاتحاد سيقدم تقييما جديدا لأداء الحكومة خاصة وأن جزء منها مشلولا، مضيفا أنه من واجب رئيس الحكومة أن يقوم بتغيير إن اقتضى الأمر ذلك «لأن المسألة ليست عنادا» حسب تعبير. يأتي ذلك رغم أن الاتحاد بدى على امتداد الاشهر الماضية، أكثر انشغالا بما تمر به تونس من أزمة اقتصادية واجتماعية فضلا عن الاجتماعية، من الاحزاب وأكثر نضجا منها، ففي الوقت الذي تركز فيه هذه الاحزاب كافة جهودها واهتمامها في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة على اختلافها، وعلى التحضير للحملة الانتخابية المقبلة، يحضر الاتحاد لعقد منتدى إقتصاديا وإجتماعيا في فيفري الحالي، على أن يتناول المنتدى 3 محاور أساسية تتعلق بالأزمة السياسية والإقتصادية والإجتماعية. وتقدر المنظمة الشغيلة أن الازمة السياسية في تونس أدت الى تردي الوضعين الإقتصادي والإجتماعي ومن هذا المنطلق قرر ان لن تقع دعوة الاحزاب السياسية للمشاركة في النقاشات خلال المنتدى تجنبا لتجاذبات تحيد عن اهدافه حيث ستنحصر النقاشات خلال المنتدى بين خبراء من تونس والخارج. في المقابل، غيّر الاتحاد في اليومين الماضيين موقفه من الحكومة وغير تصريحاته من مساند الى منتقد، وصل حد المجاهرة بضرورة ادخال تعديل وزاري على الفريق الحكومي و ضخ دماء جديدة في الحكومة و تدعيمها بكفاءات جديدة للحد من تفكك اجهزة الدولة وتحقيق التقارب في وجهات النظر بين مختلف الأطراف. وقال الطبوبي امام نواب مؤتمر الاتحاد الجهوي للشغل بسيدي بوزيد ان الايادي المرتعشة لا يمكن لها ان تصنع ربيع تونس وأضاف ان الحكومة مطالبة بتحقيق نتائج في مستوى تطلعات الشعب. من جهته، رد رئيس الحكومة يوسف الشاهد على هذه التصريحات بصورة المتحدي من خلال الحوار الذي أجرته معه القناة الوطنية 2 الاحد 25 فيفري 2018، والذي نفى فيه إمكانية أجراء تحوير وزاري الان مشددا على أن ذلك يبقى من صلاحيات رئيس الحكومة وحده.و وأضاف الشاهد أن الحكومة تعمل على أهداف رسمتها فور بدء عملها وستعمل على تحقيقها في أفق 2020 مؤكدا أن التحوير لايكون لمجرد التحوير أو التغيير بل يجب أن يكون وفقا لأهداف وبرامج مرسومة بدقة. ولفت الى ان ‘تغيير الحكومات والوزراء أكبر عدو للإقتصاد'، وان تغيير الوزراء والحكومات في كل مرة لا يخدم تونس وإقتصادها داعيا إلى ضرورة إرساء الاستقرار السياسي باعتباره ضرورة قصوى لنجاح البرنامج الحكومي. وشدد رئيس الحكومة على ان ‘الجو السياسي النظيف أساس الاستقرار السياسي'، داعيا الاحزاب والمجتمع المدني إلى تخطي الخطاب السياسي المتشنج والإرتقاء به. وعن إمكانية خروج الاتحاد من وثيقة قرطاج، أكد الأمين العام المساعد المكلف بالقطاع الخاص محمد علي بوغديري في تصريح ل"الشاهد"، أنها غير مطروحة حاليا، وأن المنظمة حريصة على تفعيل كل النقاط الواردة بالاتفاق. ولفت البوغديري في المقابل، الى أن بقاءهم في الوثيقة لا يعني دعمهم اللامشروط للحكومة، وأن الاتحاد سيتابع أداء الحكومة وسيقيمه، ولن يكون شاهد زور على تقصيرها. هذا وتبدو الحكومة مجردة من الإسناد السياسي الكافي بعد انسحابات الأحزاب الديمقراطية ما جردها من مفهوم "الوحدة الوطنية".