مع اقتراب موعد الاستحقاق البلدي و من بعده الانتخابات الرئاسية ، عاد الحديثُ عن ضرورة إعادة النظر في طبيعة نظام الحكم في تونس الذي أقره دستور البلاد لسنة 2014، و تناقلت وسائل الاعلام المحليّة أنباء عن مبادرة رئاسية جديدة لتغيير نظام الحكم والقانون الانتخابي سيقع الاعلان عنه في 20 مارس الجاري . و يرى مراقبون ، أن الباجي قائد السبسي صاحب المبادرة يتجّه نحو تعزيز صلاحياته ونفوذه وهيمنته على السلطة التنفيذية في البلاد، في إطار سعيه المتواصل إلى تغيير النظام السياسي لتونس إلى نظام رئاسي يُعيد كل السلطات إلى يد الرئيس الذي لا يقبل معارضة أحد ، ما جعل البعض يُبدي تخوفاته من محاولة اعادة تونس إلى نظام حكم الشخص الواحد الذي وضعه الحبيب بورقيبة ورسّخه زين العابدين بن علي، نظام يكون فيه رئيس الجمهورية المتحكم الأول والوحيد بزمام الأمور في البلاد . وصف أستاذ القانون الدستوري والمحلل السياسي جوهر بن مبارك طرح مسألة تغيير النظام السياسي والانتخابي، بال"الخطيرة" على صورة تونس بالخارج، واعتبرها "صب للزيت على النار"، باعتبار أنها ستربك الوضع السياسي والاجتماعي المرتبك أصلا، والذي يمر بأزمة سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة. واعتبر جوهر بن مبارك في تصريح ل"الشاهد"، أن الخطر يكمنُ في إعطاء انطباع سيء بوجود عدم استقرار دستوري ينضاف الى عدم الاستقرار الحكومي، وإشارة الى وجود نقاط انهيار صلب الدستور، مشيرا إلى أن طرح مثل هذه المسألة هي تغطية لفشل رئيس الجمهورية في الاضطلاع بدوره، وتحميل فشله للدستور ومحدودية الصلاحيات التي أعطاها إياه. وأضاف بن مبارك أن هناك فهم خاطئ للدستور، وللصلاحيات التي منحها لرئيس الجمهورية، الذي لم يستغل منها إلا 10%، منها الحق التشريعي الذي استغله في تمرير قانون المصالحة. وشدد محدث "الشاهد"، على أن طرح مثل هذه المواضيع، في وقت تستعد فيه تونس الى إجراء أول انتخابات محلية، هو محاولة لتأزيم الأوضاع أكثر وارباكها، نظرا لتأثيراتها السلبية على الأجواء التي ستُجرى فيها الانتخابات. في السياق ذاته، أكد الخبير الدستوري، لا يمكن بأي حال من الأحوال إجراء تعديل دستوري، في ظل عدم توفر الشروط اللازمة في مقدمة المحكمة الدستورية. و يؤكّد خبراء في القانون الدستوري أنّه لا يمكن تقنيًا تعديل الدستور التونسي في الوقت الحالي، على اعتبار أن المحكمة الدستورية طرف أساسي في المسار وهي لم تتركز بعد، إلى جانب ذلك يتضمّن دستور تونس الجديد فصولاً تم التنصيص على أنه "لا يجوز تعديلها"، تتمثل أساسًا في الفصول التي تحدد دين الدولة ونظامها وباب الحقوق والحريات والفصل المتعلق بتحديد عدد الدورات الرئاسية. دعوة رئيس الجمهورية لتغيير نظام الحكم في تونس ، تزامنت مع حرب التموضع والأجنحة بين قصري قرطاج والقصبة ، حيث شنت في الايام القليلة الماضية اطراف سياسية و نقابية هجمة شرسة على يوسف الشاهد مطالبة باقالته ، في حين يرى البعض ان هذه الهجمة جاءت تلبية لدعوة السبسي ، الذي يعمل على تعزيز سلطاته عبر نقل مركز القرار إلى "قرطاج" عوض "القصبة" و لم يستسغ وجود يوسف الشاهد الذي تمرد في وقت ما على رئيس الجمهورية و حزبه نداء تونس بهدف تلميع نجمه . و اعتبر الباجي قائد السبسي في تصريحات سابقة أن النظام السياسي المنبثق عن الدستور الحالي يشكو هنات عدة تستدعي إعادة النظر فيه، وهو نظام شل العمل الحكومي أو يكاد، وطابعه الهجين لا يساعد الحكومة أي حكومة والسلطة التنفيذية عمومًا على القيام بواجباتها في تسيير الدولة وتحقيق التنمية في إطار مجتمع ديمقراطي تتحقق فيه قيم الحرية والكرامة. و سيلقي رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي يوم 20 مارس خطابا بمناسبة الاحتفال بذكرى الاستقلال الوطني قد يتضمن إعلان مبادرة لتغيير نظام الحكم عبر تعديل الدستور وتنقيح قانون الانتخابات وتتكوّن السلطة التنفيذية في تونس من رأسين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، الأول منتخب مباشرة من الشعب، لكنه لا يتمتع بصلاحيات واسعة، وتقتصر على تعيين مفتي الجمهورية وإعفائه، والتعيينات والإعفاءات في الوظائف العليا برئاسة الجمهورية والمؤسسات التابعة لها، وتعيين محافظ البنك المركزي باقتراح من رئيس الحكومة، وبعد مصادقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب، والثاني منتخب من الأغلبية داخل البرلمان وله كلّ الصلاحيات. ويشدّد سياسيون وحقوقيون تونسيون، على أنه ليس من السليم في تونس توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية، لأن تونس عانت كثيرًا من استبداد و التفرد بالراي وهو ما يستوجب تقييد صلاحياته، خوفا على التجربة الديمقراطية الهشة بعد سبع سنوات من الثورة.