لا يزال ملفّ البنك الفرنسي التونسي يثير ضجّة غير مسبوقة على الساحة ، منذ صدور الحكم الدولي الذي يتهم الحكومة التونسية بانتهاك حقوق المستثمر الاجنبي وخرق النظام العام الدولي ، ما خلق شدّا و جذبا و اتهامات متبادلة و تساؤلات عن الطرف المسؤول عن الوقوع في هذه الثغرة . و يعاني البنك الفرنسي التونسي من وضعية مالية شائكة منذ ثمانينات القرن الماضي؛ هذه الوضعية زادت صعوبة خاصة بعد اكتشاف أن أكثر من 700 مليون دينار في دفوعات البنك تم تسجيلها كديون غير مُستخلَصة، ماجعل محافظ البنك المركزي السابق الشاذلي العياري يصدر أمراً إلى مدير عام البنك المذكور بتجميد جميع العمليات المالية في البنك من ودائع وقروض.. وبالحديث حول مستجدات هذا الملف، وصف وزير شؤون أملاك الدولة والشؤون العقارية، مبروك كورشيد، ملف البنك الفرنسي التونسي الذي يخضع حاليا لاجراءات التحكيم الدولي، ب"الملف الدائم". وقال كورشيد ، في تصريح لجوهرة اف ام الخميس 5 أفريل، أن هذا الملف مازال في طور التقديرات والمراسلات والإجراءات الدولية، معلقا بالقول: "نحن نصارع الاجراءات الدولية". هذا وأعرب وزير أملاك الدولة عن أمله في "تخفيف العبء المالي عن تونس والوصول إلى حل". وكان مبروك كورشيد قد كشف في تصريحات سابقة أنّ الملف ينقسم إلى فرعين الأول يتعلق بالوضعية الحالية للبنك وهو على حافة الإفلاس، والبحث عن من تسبّب في هذه الوضعية، قائلا "ليس من المعقول أن يكون البنك الوحيد في تونس الذي وصل إلى هذا المستوى من التردي إلا إذا كان الأمر يتعلق بمالية عمومية وسوء تصرف في المؤسسة ، هذا ما ننتظر الإجابة عليه من طرف القضاء،". كما أكد كرشيد وجود شبهات حول منح قروض لا تستجيب للشروط اللازمة وسوء تصرف مالي، مشيرا إلى أنّ هذا البنك يعتبر " "خزينة سوداء" في تونس على مدى فترات متواصلة وهو من أكبر ملفات الفساد، مشددا "من حق التونسيين أن يعرفوا الحقيقة". أما الفرع الثاني للملف، فهو يهم وزارة أملاك الدولة، فيما تعلّق بالنزاع بين الدولة والمجموعة المالية الاستثمارية للبنك التونسي الفرنسي، وقال كورشيد إن القضية تعود إلى عهد الرئيس الحبيب بورقيبة . وقال "هذا الملف لدى التحكيم الدولي وحكومة الوحدة الوطنية عندما وصلت إلى الحكم وجدت أن الملف محجوز للحكم، وانتهت فيه المرافعات وآخرها في الحكومة التي سبقتنا (حكومة الحبيب الصيد) ليصدر فيه الحكم في2017 وقضى بتحميل المسؤولية للدولة التونسية منذ 1989." وأضاف "يأتي ذلك على خلفية صدور حكم تعقيبي للصلح سنة 2012 في حق ممثل المجموعة وهو تونسي صدر في حقه حكم في سنة 1989 واضطر لإمضاء الصلح لفض الخلاف على البنك، ويقضي الحكم التعقيبي باعتبار ممثل المجموعة المالية سجينا سياسيا اضطهد من طرف النظام ويجب أن يتمتع بالعفو طبقا لقانون العفو واقتضى الأمر منحه ذلك، وقد تم الالتماس له من طرف الدولة من أجل تمتيعه به". وتابع "هذه وقائع موجودة أمام القضاء وأنا في قرارة نفسي أتمنى أن لا يكون أي مسؤول تونسي قد تورّط في القضية ، ما أراه ضروري هو معرفة الحقيقة ولن يكون ذلك إلاّ بأحكام قضائية.. لكن لابد من التصدي لمحاولات العبث بالمال العام، هذا الملف من اكبر الملفات التي مرت بتاريخ تونس وإن شاء الله تكون أخطاء دون قصد إجرامي" . وشدّد كرشيد على أنّه لم يحكم على تونس بالتعويض بأي مليم متابعا "نحن نناضل من أجل تخفيف العبء ومن أجل تحميلنا المسؤولية، ونحن منفتحون حتى على أبواب الصلح". كما بيّن أنه لم يعد هناك أي مجال من أجل الخروج من هذا الحكم، "لكننا اليوم نناقش مقدار التعويض"، حسب تعبيره وأكّد كرشيد أنّ وثيقة إبرام الصلح أمضاها مسؤول في إدارة نزاعات الدولة، وقد "قام بعزله كعقاب على هذه الفعلة"، حسب تعبيره، معتبرا أنّ الاشكال يتعلق ليس بالمبلغ بل بالهدف الذي تحقق، حسب قوله. وقال "وزارة العدل في حكم نور الدين البحيري أصدرت مراسلة وحذرت فيها "من انجاز هذا الصلح لانّه يضر بالدولة التونسية ". جدير بالذكر أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد كان قد وصف ملف البنك الفرنسي التونسي ب"أكبر ملف فساد شهدته تونس عبر تاريخها". هذا ولفت الشاهد إلى أن حكومته فتحت هذا الملف ، مؤكدا أن الهجمة الشرسة التي تتعرض إليها الحكومة تعود بالأساس إلى قيامها بفتح هذا الملف الخطير. هذا وتوقّع يوسف الشاهد أن تتواصل الهجمة الشرسة على الحكومة جراء اقدامها على فتح وكشف هذا الملف ، مشيرا إلى أنه وقعت احالته على القضاء متعهدا بأن تتخذ الحكومة اجراءت قوية لمحاسبة من تسببوا في هذا الفساد . وتابع قائلا "البنك الفرنسي التونسي إفلاس في تونس والبعض حصل على قروض بالمليارات ولم يستخلصها..وسيتم محاسبة كل المتورطين في هذا الملف". جدير بالإشارة أنه في اخر عملية تدقيق تبين ان في ميزان دفوعات البنك الفرنسي التونسي أكثر من 700 مليون دينار تمّ تسجيلها كديون غير مستخلصة؛ هذه المبالغ الطائلة غير المستخلصة والتي تكبدتها المجموعة تعود بالأساس الي إسناد قروض إلى مجموعة من الأشخاص والشركات دون دراسة معمقة وذلك لتمويل مشاريع وهمية وذلك بالاعتماد على آليتين هما الية القروض الخاسرة التي تعتمد على إقراض الحريف، ومن ثم انتظار الأجل الأقصى للتسديد والية القروض الهالكة حيث يتم اقراض الحريف دون ضمانات.