في تطوّر غير مسبوق ، و في تغيّر يبعث على الريبة ، طغى السباب و الشتم على معظم الحوارات السياسية ، حتّى بات خطاب الشيطنة أحد علامات الحوار و بدونه لا يُحققّ الحوار الفائدة المرجوّة ، و كأنّ هدف جلّ السياسيين بات يتلّخصُ في ضرب الخصم أيّا كانت الوسيلة ، في مؤشر يُحيلنا على قصور الرؤية أو ربّما انعدامها، إذ لم يعد خطاب البذاءة اختصاصا تحتكره أطراف "شاذة"، بل امتدّ ليؤثث خطاب جل السياسيين على أعلى المستويات حضورا في المشهد الإعلامي ، ناهيك عن حضوره في المنصة التشريعية (البرلمان) ، المنصة التي من المفترض أن تصدر قوانين تنظيميةو التي من المفترض ان تكون فضاء لبناء مستقبل أبنائنا وبناتنا، لنتفاجئ و بصورة صادمة، بالنواب أنفسهم يسقطون في قاع الافلاس الخطابي و ليصبح "الخطاب المنحط" سلاحا فتاكا يستعمل في المعركة بين مختلف الفاعلين السياسيين. بصورة أوضح ، انتقل الخطاب السياسي اليوم إلى درجة واضحة من الانحدار والسقوط ، ثلب ، اتهامات علانية بالفساد ، طعن في الشرف و الأخلاق و ما إلى ذلك من قائمة المناوشات الدائمة بين الأطراف السياسيين، لدرجة أن الكثير من الاستحقاقات السياسية، تحوّلت إلى مناسبات لممارسة هواية "الشتم الجماعي" و"الاتهامات المغرضة " و لتسقط أحزاب المعارضة بدرجة أولى في هذا الخطاب وهي التي أفلست جماهيريا بعد اعتماد خطاب المعارضة لغرض المعارضة . ونعت الناطق باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي، أعضاء الحكومة ب "العملاء" مؤكّدا أنهم "عملاء بالمعنى السياسي والاقتصادي للكلمة"، حسب تعبيره. وأضاف الهمامي، خلال حضوره في برنامج 7/24 على قناة الحوار التونسي، أن "ضغط صندوق النقد الدولي على الحكومة التونسية هو نتيجة غياب منظومة حكم قادرة على خدمة مصلحة البلاد" قائلا " إن للحكومة مصالح ضيقة تهمّ أقلية من السماسرة والشركات الناشطة في الخارج". من جهة أخرى ، انتقد الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي تصريحات مستشارة رئاسة الجمهورية سعيدة قراش تجاهه ، و قال ان قراش تغيرت 180 درجة بين 2011 و 2018 و صارت "خادمة عند اسيادها" و تنفذ اوامرهم حول قانون الانتخابات و الاصلاحات الاقتصادية و تريد تبرير ما لا يبرر من اجل تشريع سيطرة الحزب الواحد على الشان السياسي و البرلماني لان مرجعيتهم التجمعية و الدستورية استبدادية . و اعتبر ان هناك اشباه لسعيدة قراش في الحكومة غيرتهم المناصب و صاروا يصنفوننا باننا غير ناضجين لاننا لم ننخرط في منظومة الفساد. و يرى مراقبون أنّ توجه النخبة السياسية الى التهجّم و افتعال الاتهامات ما هو إلا محاولة يائسة لتلميع صورهم و الظهور في صورة "المنقذ" الذي سيخلص البلاد من أزماتها خاصة و اننا على مشارف انتخابات تشريعية و رئيسية ، و فيما تركز بعض الاحزاب على تقديم برامج و مقترحات بديلة يركز بعض السياسيين على خطاب الشيطنة و التحريض . كما يضيف مراقبون بأنّ تونس في حاجة اليوم الى خطاب سياسي رصين و مسؤول يراعي مستوى الوعي الموجود و يرتقي به من خلال خطاب مفهوم يحترم عقل وشعور المخاطبين ليس بالوعود الواهية و الافتراءات وانما بالعمل السياسي الجاد و النبيل، الذي يستوجب إلى جانب الكفاءة والاستحقاق، التحلي بروح المواطنة والاحساس بالمسؤولية ونكران الذات.