جدل وضجة واسعان طفحا على السطح خلال الأيام القليلة الماضية، عقب تداول منشور أصدره مسؤول بارز في وزارة العدل موجه إلى إدارة المحاكم يوصي بعدم استلام أي ملفات واردة من هيئة الحقيقة والكرامة، فيما ذكرت مصادر حقوقية أن وزير العدل غازي الجريبي أصدر قراراً يقضي بإلغاء المنشور المذكور مع تصاعد الانتقادات الموجهة ضده، الأمر الذي دفع عددا من السياسيين والحقوقيين إلى التحذير من عودة "قضاء التعليمات" الذي كان سائداً خلال عهد الرئيس المخلوغ زين العابدين بن علي. و كان الجريبي قد الغى المذكرة التوضيحية التي وجّهها المتفقّد العام بالوزارة يوم 28 ماي 2018 إلى الرؤساء الأول لمحاكم الاستئناف والوكلاء العامين ورؤساء المحاكم الابتدائية ووكلاء الجمهورية ورؤساء الدوائر الجنائية المتخصّصة في العدالة الانتقالية. وجاء إلغاء المذكّرة على إثر ردود الفعل التي أثارتها بعد صدورها واعتبارها من قبل بعض السياسيين والحقوقيين بأنها دعوة ضمنية لعد قبول ملفات ضحايا الانتهاكات المحالة على الدوائر القضائية المتخصّصة من هيئة الحقيقة والكرامة. وقال مصدر من وزارة العدل أنّ المذكّرة الداخلية هي بالأساس توضيح لسير العمل بالمحاكم احتراما لقرارات مجلس نواب الشعب الذي رفض التمديد في عمل هيئة الحقيقة والكرامة ولإجراءات التسليم والتسلّم ولم تكن لها أيّ صبغة إلزامية أو تعليماتيّة بل كان الغرض منها ضمان حسن سير القضاء بعيدا عن كلّ ما يمسّ من حياد السلطة القضائية واستقلاليّتها التي تكرّست بالدستور والقانون وتركيز المجلس الأعلى للقضاء. وفي تعليقه على ذلك، قال القاضى أحمد الرحموني أن وزير العدل غازي الجريبي تدخّل على اثر الجدل الذي أثارته المذكّرة التي وجّهها مؤخّرا المتفقّد العام بوزارة العدل لرؤساء المحاكم . وحسب ما أكّده رئيس المرصد التونسي للقضاء فقد قام وزير العدل بتوجيه مراسلة جديدة لرؤساء المحاكم يلغي بمقتضاها المراسلة الموجّهة من طرف المتفقّد العام. ووصف الرحموني قرار وزير العدل بالرجوع الى الحق وقال قديما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رسالته الى ابي موسى الاشعري ولا يمنعك قضاء قضيته أمس فراجعت اليوم فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق؛ فإن الحق قديم لا يبطله شئ ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل وكان سياسيون وحقوقيون تداولوا وثيقة تتضمن منشوراً أصدره المتفقد العام في وزارة العدل رياض بالقاضي على هيئة "تعليمات" موجهة الى ادارات المحاكم التونسية تقضي بعدم استلام الملفات التي تحيلها هيئة الحقيقة والكرامة بعد 31 ماي 2018. وفي هذا الصدد، دوّن غازي الشواشي الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي على صفحته في موقع فيسبوك بعنوان «قضاء التعليمات يعود اليكم من جديد»: "حسب هذه الوثيقة، المتفقد العام بوزارة العدل يعطي تعليماته للرؤساء الأول لمحاكم الاستئناف والوكلاء العامين لديها ورؤساء المحاكم الابتدائية ووكلاء الجمهورية لديها ورؤساء الدوائر الجنائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بعدم قبول واعتماد ملفات الانتهاكات التي تحيلها عليها هيئة الحقيقة والكرامة بعد 31 ماي 2018 في إشارة لقرار عدم التمديد للهيئة». بدوره، قال سمير بن عمر رئيس الهيئة السياسية لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية: "بعد عودة البوليس السياسي والتنصت، عودة قضاء التعليمات". فيما اتهم طارق الكحلاوي القيادي في حزب حراك تونس الإرادة رياض بالقاضي بمحاولة «إيقاف العدالة الانتقالية واسترجاع حقوق الضحايا بجرة قلم «اجرائية» بما يعكس ذهنية «قضاء التعليمات» سيئة الذكر»، ووجّه نداء ل»القضاة الشرفاء لتجاهل منشور بالقاضي ومن ورائه وزير العدل الجريبي ومن ورائهما السبسي. القبول به فتح الباب مجدداً لقضاء التعليمات». يذكر أن المراسلة الملغاة تتضمّن تعليمات لرؤساء المحاكم بعدم قبول و اعتماد ملفات الانتهاكات التي تحيلها عليها هيئة الحقيقة و الكرامة بعد 31 ماي 2018 في اشارة لقرار عدم التمديد للهيئة ما أثار جدلا كبيرا يُحذّر من خطورة هذه المذكّرة وينذر بعودة قضاء التعليمات. "