لم تمرّ نتائج الإنتخابات البلديّة الأولى من نوعها في تونس منذ الثورة دون أن تحرّك مياها كثيرا راكدة في المشهد السياسي والحزبي بالبلاد فحركة النهضة التي تراجعت إلى المرتبة الثانية سنة 2014 بعدأن تصدّرت نتائج صناديق 2011 عادت لتفوز بإختبار الصناديق بفارق بعيدعن نداء تونس حزب الرئاسات الثلاث وعن بقيّة مكونات الساحة الحزبيّة، نتائج تسبق بفترة قصيرة نتائج منتظرة لتشريعيات ورئاسيات قريبة. يوجد إجماع داخل المشهد التونسي على أن حركة النهضة هي الحزب الأكثر تنظّما وإستقرارا وهو الأكثر تطوّرا في السنوات الأخيرة غير أنّ محاولات تشكيل جبهة مضادّة قد باءت كلّها بالفشل وإنتهت إلى الإنقسام حتّى حزب نداء تونس نفسه الذي فاز بتشريعيات ورئاسيات نهاية سنة 2014 كان ضحيّة لموجة إستقالات وإنشقاقات بات معلنا من طرف رئيس الحكومة يوسف الشاهد أنها إنعكست سلبا على الوضع العام وعلى الآداء الحكومي. وإذا كان نداء تونس قد ظلّ موجودا بقوّة رغم الأزمات والتراجع في القاعدة الشعبية كما أظهرت نتائج بلديات 6 ماي الفارطة فإنّ بقيّة الأحزاب التي تشكّلت من مغادرين لسفينة الحزب قد منيت بهزيمة قاسية في أوّل إختبار لها مع الصناديق، إختبار أظهر بوضوح عزلة خطابها الذي يقف على نقيض سياسة التوافق والحوار الوطني التي تسير بها التجربة التونسية منذ نحو أربع سنوات. في أوّل حركة سياسيّة كردّ فعل على نتائج صناديق 6 ماي الفارطة وتجنّبا لنتائج مشابهة في الإستحقاقين التشريعي والرئاسي القادمين بدأ المغادرون لصفّ النداء عقد جلسات وإجراء إتّصالات مع مؤسس الحزب ورئيس الجمهورية الحالي الباجي قائد السبسي من أجل لملمة الصفوف، إتصالات وجلسات بات الهدف المعلن من وراءها إنتخابيا يرفع شعار "التصدّي للنهضة". رئيس الهيئة السياسيّة لحركة تونس أوّلا رضا بلحاج أفاد في تصريح صحفي عقب لقاءه بالسبسي أنّه "أكّد لرئيس الجمهوريّة الباجي قايد السبسي ضرورة القيام بدوره لإنقاذ البلاد من الوضع الذي تمرّ به باعتباره ضامنا للدستور من جهة والتفكير في إعادة ترتيب المشهد السياسي وإعادة التوازن له من جهة أخرى". بلحاج أكّد وجود فكرة لقيام تحالف بين عدد من الأحزاب لتكوين كيان سياسي قادر على مواجهة التهديدات التي تواجه المجتمع وإعادة التوازن وأشار الى وجود اتصالات في الغرض لبلورة فكرة هذا الكيان السياسي جمعت حركة تونس أولا ونداء تونس ومشروع تونس وحركة مستقبل تونس وذلك بهدف إعادة تنظيم المشهد السياسي . من جانبه قال الأمين العام لحركة مشروع تونس محسن مرزوق في تدوينة على صفحته الرسمية بشبكة التواصل الإجتماعي فايسبوك إنّ "مرحلة التوافق المغشوش انتهت"، معتبرا أنّها كانت "سببا للجمود وصارت سلاح فئة لتسود من خلال سياسة فرق تسد" وشدّد على أنّه حان الوقت لبناء مرحلة جديدة على أسس صلبة وواضحة حتى لا تعاد أخطاء الماضي و لكي ترى البلاد الضوء في آخر النفق، وفق ما ورد في نصّ التدوينة. تستمدّ "الجبهة السياسيّة" لشتات نداء تونس مشروعيّتها حسب ماهو معلن من "الخصم المشترك" وهي صورة طبق الأصل لجبهة الإنقاذ السابقة ولجبهات كثيرة إنتهت إلى الفشل غير أن إشكالا آخر سيظلّ قائما وقد يحكم على هذه الجبهة بالموت قبل أن تتشكّل وهو الصراعات بين المغادرين لسفينة النداء والمدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي فإمّا أن ينجح السبسي في وضع حدّ لهذه الصراعات ويعيد تأسيس حزبه لفرض نفس الإستقطاب الثنائي أو أنّ المجهودات لن تكلّل بالنجاح وفي الحالتين ستكون الصناديق في خانة الإستقرار والإصلاحات وخاصّة في خانة المسؤوليّة.