تزمنا مع التّزاحم الحاصل في المشهد السّياسي بهدف تحقيق أكثر فرص للنجاح في الانتخابات الرّئاسيّة 2019, سجّلت السّاحة مؤخّرا عودة السياسي أحمد نجيب الشّابي, بعد ثلاث سنوات من الغياب, عبر تصريحات متتالية حول الوضع الرّاهن للبلاد. وكعادته, طرح الشّابي بعودته مبادرة جديدة لم تتّضح ملامحها بعد. وصرّح نجيب الشّابي, خلال استضافته في احدى الاذاعات, أنّ "مواجهة حركة النهضة وبرامجها تستوجب دعم مرشح وسطي توافقي", مضيفا أنّه يحمل رؤية اجتماعيّة واقتصادية تمكنه من انتشال تونس من ازماتها الخانقة. حركة سيزيفية معتادة للسيد نجيب الشابي فبعد الحزب الديمقراطي التقدمي ونكسة تشريعيات 2011 وبعد الحزب الجمهوري ونكبة تشريعيات 2014 ومن بعدها الرئاسيات قرر الزعيم التاريخي للمعارضة الاجتماعية الانتصاب في دكان سياسي جديد اسماه "الحركة الديمقراطية " لم يتمكن حتى من المشاركة في بلديات 2018 ومع فشل هذا المشروع دعا الشابي مؤخرا إلي تكوين حركة سياسية لإنقاذ تونس مازالت ملامحها لم تتضح بعد و من الارجح انها ستكون فصلا اخر من فصول الفشل السيزيفي. أحمد نجيب الشّابي, أو كما يحلو لأصدقائه تسميته ب”ديناصور السياسة”, الذي يرفض الانقراض والابتعاد عن واجهة الأحداث, صمد طيلة خمسة عقود كاملة, تميّز فيها بالحفاظ على هدوئه وابتسامته الخفيفة وقدرته على استيعاب كلّ المواقف والقرارات الخاطئة التي ارتكبها خلال مسيرته السياسيّة, حيث كان في كلّ مرّة يتّخذ القرارات الخاطئة في أوقات لا تحتمل الخطأ. ولعلّ أبرز أخطائه, خديعته كغيره ب”مبادئ” السابع من نوفمبر، والميثاق الوطني. كما هرول إلى المشاركة في حكومة محمد الغنوشي بعد الثورة، وانتصب متحدثا باسمها مدافعا عن خياراتها قبل أن تسقط في أقل من شهر ونصف، إضافة الى فشله كلّ مرّة, في المحطّات الانتخابيّة ما بعد الثورة, في تحقيق حلمه الدّخول للحكم من أبوابه الواسعة, بل سجّل خيبات كثيرة, يختفي بعدها مباشرة ليعود في المحطّة الانتخابية التّالية بهوس الانتصار الذي لم يتحقّق. فلماذا لا ينسحب الزعماء السياسيون الفاشلون من المشهد؟ زعماء سياسيّون انسحبوا أحمد المستيري مؤسس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين أبرز معارض في العهد البورقيبي, انسحب في أول مؤتمر للحركة بعد انتخابات 1989 في هدوء واعتزل الحياة السياسية تماما، إلى اليوم. أيضا محمد حرمل أمين عام الحزب الشيوعي التونسي انسحب في مؤتمر حركة التجديد سنة 2007 واعتزل الحياة السياسية. وآخرهم, مصطفى بن جعفر، والذي غاب تماما بعد فشل حزبه في انتخابات 2014، وحصوله على حجم ضئيل من الأصوات في الانتخابات الرئاسية, وخروجه من تجربة الحكم ورئاسة المجلس الوطني التّأسيسي. إلاّ نجيب الشابي!! لم يرض الشّابي بغير الموقع الأول، حتى عندما تسلمت المرحومة مية الجريبي الأمانة العامة, حيث كان الشّابي شديد الحرص على الحضور الظّهور في البلاتوات التّلفزيّة واللّقاءات العامّة والاجتماعات الرّسميّة للحزب, وكأنّه يرفض أن يكون رقم 2 في أيّ قائمة. مايعمّق ملامح الهوس بالزّعامة لدى نجيب الشّابي, تمسّكه بحلمه الجلوس على كرسيّ القصر, واصراره على التّواجد رغم انسحاب غيره من الزّعامات مكتفين بما قدّموا, تاركين المجال للساحة السياسيّة لتغيير “جلدها” وتجديد نفسها بقيادات سياسيّة شابّة. فالسّياسة عالم متحرّك, ليس ثابتا, ولا يستمرّ فيه لفترات طويلة الا الأقوياء والقادرين على اقتناص اللّحظات التّاريخيّة, والتّكيّف معها وفق المستجدّات وحالة التّطوّر التي تفرضها المجتمعات. انّ مكابرة الزّعامات السياسيّة التاريخيّة, وتمسّكها بالقيادة بتعلّة الشرعيّة النّضاليّة والخبرة السياسيّة أجّلت عمليّة التّغيير في تونس, ولم يفرض هذا التاريخ أمرا واقعا إلا عندما منيت أغلب الأحزاب التي كرّست ‘الزّعامتيّة' بهزائم سياسيّة، بعضها هزائم مذلّة نسفت التاريخ النّضالي لبعض الأحزاب ونسفت في أحيان أخرى أحزابا برمّتها من المشهد السياسي لتذهب الى النّسيان.