عادت قضيّة براكة السّاحل إلى التّناول الاعلامي والجدل السياسي كما في كلّ مرّة، هي حقّ أريد به باطل. وبعد ماصرّ ح به موسى الخلفي، مدير الأمن الدّاخلي للوحدات العسكريّة، خلال سلسلة حضوره الاعلاميّة الأخيرة عبر الاذاعات والقنوات التّلفزيّة، والذي عاد ليتّهم حركة النّهضة بالوقوف وراء تجنيد العسكريّين المتّهمين في قضيّة برّاكة الساحل، التي بتّ فيها القضاء بحكم ابتدائي وتبيّن أنّها ملفّقة ولا وجود لحادثة مسمّات بالمجموعة الأمنيّة 1991، والتي تقدّم على اثرها وزير الدّفاع بكلمة تحت قبّة البرلمان في محاولة لردّ الاعتبار للضحايا. موسى الخلفي بدوره طرف في القضيّة، حسب تصريح العميد الهادي القلسي، عضو جمعية انصاف قدماء المؤسسة العسكرية، أنّه متّهم بممارسة التّعذيب على ضحايا القضيّة الوهميّة “براكة الساحل”، وسيمثل أمام المحكمة الابتدائيّة في تونس يوم 25 أكتوبر 2018 كمتّهم. كذلك من بين الأسماء المتّهمة والتي صدرت ضدّها أحكام قضائيّة في مرحلة أوّليّة، عبد الله القلال وبن علي و غيرهم من الأمنيّين وأمن أدّولة نفّذوا أوامر التّعذيب. وتسعى هيئة الدّفاع عن عبد الله القلال، وزير الداخليّة زمن الواقعة، إلى ابطال القضيّة بالاسقاط الزّمني أي أنّه مضى على الحادثة أكثر من 20 عاما، كما أفاد القلّال أما المحكمة الابتدائيّة بتونس، أنّ قضية برّاكة الساحل كانت تحت اشراف بن علي شخصيّا وأنّه المسؤول الوحيد على تفاصيل القضيّة. موسى الخلفي، خلال حضوره في قناة التّاسعة في برنامج مسائي، تحدّث عن ماسمّاه بأدلّة ادانة مجموعة الضبّاط، حيث أكّد أنّه تمّت معاينة المنزل الذي اجتمع فيه مجموعة العسكريّين وخطّطوا فيه للانقلاب، حسب شهادة بعض منهم (طبعا تحت التّعذيب)، وقد جاء في حدث “الخلفي”، ما يناقض ادّعائه. فالمكان الموصوف والمنسوبة اليه محاولة الانقلاب واجتماع مجموعة ال244 ضابط المنقلبين فيه، يعتبر أكثر مكان لا يمكن التّضليل فيه أو التمويه عن أيّ فعل، فمنطقة برّاكة السّاحل، يعبرها طريق سيارة وطني، والمنزل مجاور لمنطقة حرس ويقابله مباشرة محلّ مواد عطريّة، وتحاذيه من جهة أخرى محطّة بنزين، والمنزل المزعوم لا يتّسع لأكثر من 10 أشخاص فكيف أوى مجموعة ال244 ضابط كما جاء في الشّهادة المفبركة تحت تأثير التّعذيب؟
في انتظار حكم نهائي يوم 25 أكتوبر الجاري في حقّ الضحايا من ضبّاط الجيش، يبقى الملفّ قابل للطرح الاعلامي من زوايا متعدّدة، وهذا ماجعل بعض المتورّطين في قضايا التّعذيب يحاولون ادانة وتشويه مجموعة الضباط ليجدوا مبرّرا لممارستهم التعذيب في حقّ أبرياء. وفي الحقيقة، لا يمكن لأي مبرّر أن يمحي صورة ضحايا المؤسّسة العسكريّة من المخيّلة الشّعبيّة، ونحن نستمع إليهم على الملأ لأوّل مرّة عبر جلسات هيئة الحقيقة والكرامة العلنيّة، ونسمع تفاصيل معاملة لا بشريّة لنخبة من أسمى المؤسّسات السياديّة في البلاد. لكن، لعلّ الحكم النهائي بإدانة من لطّخ يديه بالظّلم يكون عبرة وخير ردّ اعتبار للمظلمين وضحايا الاستبداد.