تصادمت تونس دبلوماسيا في أكثر من مناسبة مع المملكة العربية السعودية، منذ الاستقلال سنة 1956، واستأثرت العلاقة بين الدين والدولة بحيّز مهمّ من النقاشات السياسية والثقافية بين الدولتين. و تجاوز مستوى النقاش أحيانا إلى فتور في العلاقات وتكفير مسؤولين. لكن العلاقة عرفت في مراوحتها و ديمومتها الزمنية اختلافا في النهج و التعامل وصل حدّ التناقض، لتتحول السعودية اليوم وبعد قفزتها “الانفتاحية” إلى راع رسمي للأفكار البورقيبية ومركزا للانفتاح و تفكيك مراكز التشدد، حسب ما تدّعيه. بعد ثورة جانفي 2011، تعاظم التأثير السياسيّ لدول الخليج وخاصة السعودية في القرار الداخلي، ما دفع بتونس للتعامل بحذر مع الجانب السعودي حيث تميزت العلاقة بين الدولتين طوال 7 سنوات بفتور وحذر فاقمته أزمة الصحفي السعودي خاشقجي . السعودية تكفر بورقيبة كفّر العديد من علماء السعودية الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ودعوه للتوبة، من ذلك رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الذي تم تعيينه لاحقا مفتي عام بالمملكة العربية السعودية عبد العزيز بن باز، حيث كان الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة قد ألقى كلمة في إحدى المناسبات، حول الثقافة الذاتية والوعي القومي، تضمن نقدا للقرآن الكريم والقول بأنه متناقض، فأرسل إليه ابن باز رسالة، جاء فيها الآتي : نشرت صحيفة الشهاب بعدد 23 ربيع الأول سنة 1394 ه/ 1974، حديثًا نسب إليكم غاية في الخطورة، يتضمن الطعن في القرآن الكريم بالتناقض، والاشتمال على الخرافات، والطعن في مقام الرسالة المحمدية العظيم، و قد أزعج ذلك المسلمين و استنكروه غاية الاستنكار، فإن كان ذلك صدر منكم فالواجب شرعا المبادرة إلى التوبة النصوح منه، و إعلانها بطرق الإعلان الرسمية، وإلا وجب إعلان بيان رسمي صريح بتكذيبه، واعتقاد خلافه كي يطمئن المسلمون، وتهدأ ثائرتهم، من هذه التصريحات الخطيرة، ونسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة، وللتوبة من جميع الآثام، سرها وجهرها، و أن يعز الإسلام و أهله وأوطانه إنه سميع مجيب”. وفي 11 ماي من العام ذاته، أرسل الشاذلي القليبي، مدير ديوان رئاسة الجمهورية التونسية رسالة لبن باز سلمها عنه سفير تونس في السعودية، أوصل فيها شكره للنصيحة ومذكرا بجهود بورقيبة في تحرير تونس من فرنسا وإرجاعها دولة مسلمة بعد أن غدت تابعة لفرنسا. إلا أن الرد لم يرق لعبد العزيز بن باز، فأبرق مرة أخرى للرئيس بورقيبة سائلا إياه ألاّ يصرّ على “الكفر” وأن يوضح موقفه من القرآن ومما نسب إليه. من التكفير إلى التمجيد بمنح المرأة الحق في قيادة السيارة وفتح دور السينما وتنظيم مهرجانات غنائية، فتحت المملكة العربية السعودية صفحة جديدة في علاقتها بمدنية الدولة ومدى تدخل الدين في السياسة، وبدأت سياستها الخارجية والداخلية بالاستدارة بطريقة عكسية حيث بدأت تتنكب للأسس التي قامت عليها، وتسعى للخروج على النهج العام الذي سارت عليه في عهودها الماضية، و تخلت عن حلفائها التقليديين وبنت علاقات جديدة مع أعداء الأمس وتحولت من دولة “سلفية وهابية” إلى دولة تمجد من كفّرتهم بالأمس. ومن نماذج التمجيد والمدح والدفع بالمقاربات الإيجابية ما كتبه الاعلامي السعودي تركي الدخلي في موقع العربية، سنة 2016، حيث كتب مقالا جاء فيه ما يلي “التأسيس الصلب للدولة على يد الحبيب بورقيبة، مكنها من التماسك بوجه الأزمات، والعواصف العاتية. حتى حين نشبت الثورة بقيت تونس خارج سياق الاضطراب؛ عانت من بعض الإشكالات الأمنية العادية، لكنها سرعان ما عادت إلى الإرث البورقيبي القوي، كأن شبح الحبيب يطلّ من مباني المؤسسات وظلال التحرك، ومناطق التعبير، موجهًا بيده، ولاذعًا بنصحه، وقاسيًا بتوبيخه، ومرشدًا أبويًا لمجتمعٍ بأكمله..” السعودية وأحفاد بورقيبة “هرعوا إلى سفارة خادم الحرمين ليس من أجل مصلحة البلاد، بل للنفخ في مزامير الحرب على حركة النهضة.” بهذه الجملة عبّر محلّل سياسي تونسي عن رأيه تُجاه هرولة قيادات نداء تونس لمقابلة سفير المملكة العربية السعودية لدى تونس إثر صدور الموقف الرسمي لحركة النهضة من جريمة مقتل الخاشقجي. وفيما بعد، عبّر حزب نداء تونس عن ترحيبه بقدوم ولي العهد السعودي رغم المعارضة الشعبية الكبيرة التي لقيها وقال الأمين العام لحركة نداء تونس، سليم الرياحي، إنّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان “مرحّب به في تونس”. ووصفت الأمينة العامة المساعدة لحزب نداء تونس الحاكم، سميرة الشواشي، ولي العهد السعودي ب”ضيف مبجل”. ويرى مراقبون، أنّ توقيت الزيارة يستفيد منه الطرفان الضيف ومستقبلوه الرسميون في الظرف المناسب. إذ يساهم الطرف التونسي في رفع العزلة عن بن سلمان، فيما يحمل ولي العهد للباجي قائد السبسي رسالة دعم يحتاجها في مسار لي الذراع مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، كما يسجل خطوة قطيعة أخرى مع حليف الأمس حركة النهضة التي اتخذت موقفا مبدئيا من جريمة قتل الخاشقجي التي ثبت جنائيا تورط مسؤولين رسميين بالمملكة في ارتكابها