عادت قضية الاغتيالات السياسية إلى واجهة الأحداث الوطنية بعد أربع سنوات من مسار الملف في دوائر التحقيق القضائية. وقُبيل اشهر من الانتخابات التشريعية والرئاسية، انحرف الملف عن مساره ليتّخذ أبعادا سياسيا وليرسم مشهدا لا يختلف في عناصره عن ذلك المشهد الذي أفرز النتائج الانتخابية لسنة 2014. ويرى مراقبون أنّ ملف الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي تحوّل من ملف قضائي ذي بعد سياسي إلى ورقة سياسية للضغط والانتقام و لتكريس مآرب سياسية وانتخابية بالأساس. وفيما يُحاول قيادات الجبهة الشعبية الترويج لتمسكهم بكشف الحقيقة، تُظهر التصريحات الأخيرة “للجبهويين” محاولاتهم المُستمرّة إقحام الملف في أتُون صراع حزبي وسياسي لا يخدم المصلحة القضائية. كما تكشف التصريحات المتناقضة داخل الجبهة وهيئة الدفاع عن الشهيدين نفسها، ارتباكا واضحا في إدارة الملف وتنازعا داخليا في استثماره. وأظهرت زلة لسان للناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمة الهمامي، أنّ الرجل وهو يحاول ادعاء النزاهة، سرعان ما تخونه العبارة فيلتحق بجوقة الاتهامات واستباق الأحكام. ففي آخر تصريح له، أفاد بأنّ الجبهة الشعبية “ستراقب مصير ملف “الجهاز السري” حتى لا يتم توظيف هذه القضية سياسيّا”، لكنّه استدرك قائلا: “حركة النهضة متورطة بشكل كبير في ملف الجهاز السري”. التناقض الذي وقع فيه حمة الهمامي، قد يكون مردّه محاولة نفي أي تحالف مع نداء تونس والباجي قائد السبسي، من أجل محاصرة حركة النهضة، ولكنّه، وهو يخشى من نقض ذلك التحالف الحقيقي بتصريحه، يستدرك فيعيد تأكيد المسلّمة المطلوب ترسيخها لدى الرأي العام، وإن طرحها القضاء. ولئن حاول قيادات الجبهة إخفاء ما يتكتّمون عنه، جاهر البعض الآخر بالهدف “غير المعلن”، والغاية “المُبطّنة”، وقد أكّد الناشط بالجبهة الشعبية مصطفى القلعي وبصريح العبارة أن “الملف سياسي بامتياز” وأضاف أنه “من الضروري وضع حركة النهضة في الزاوية”. يُذكر أن حركة النهضة أصدرت بيانا في أكتوبر الماضي، عبرت فيه عن “أسفها أن يكون البرنامج الوحيد للجبهة الشعبية هو الاستثمار في دماء الشهيدين للتغطية على فشلها المتواصل في المحطات الانتخابية السابقة وعجزها عن تقديم برامج جدية للشعب”، وفق البيان