ما فتئ الدينار التونسي ينزلق حتى تجاوزت قيمة الأورو في سوق صرف العملات 3.400 دينار تونسي. ولئن عبّر البنك المركزي التونسي في العديد من المناسبات عن قلقه تجاه تواصل انزلاق الدينار إلى أدنى مستوياته، إلا أنه أرجع هذا الانزلاق إلى هشاشة القطاع الخارجي. وبحسب وزير التجارة السابق والخبير الاقتصادي محسن حسن فإن انزلاق الدينار وصل مستويات غير متوقّعة تعكس الوضع الاقتصادي والمالي الهش، فبالرغم من تحسن النمو الاقتصادي هذه السنة إلى مستوى 2.6 بالمائة وتراجع العجز في ميزانية الدولة إلى 4.9 بالمائة مقابل 6.1 سنة 2017، إلاّ أن الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد لا يزال في وضع صعب لأسباب هيكليّة وأخرى ظرفية، ومن أهمها الضبابيّة على المستوى السياسي وتردّي الوضع الاجتماعي مما أدى إلى تباطؤ نسق الإصلاحات الاقتصادية الضرورية للخروج من الأزمة. أسباب رئيسيّة وأضاف محسن حسن في تصريح لموقع “الشاهد” أنه من بين الأسباب الرئيسيّة التي أدّت إلى تراجع قيمة الدينار هو العجز في الميزان التجاري الذي تجاوز 18 مليار دينار. وأعزى المتحدّث هذا العجز المسجّل في الميزان التجاري أساسا إلى العجز الطاقي بسبب تراجع إنتاج البترول الذي كان يغطي 95% من حاجياتنا سنة 2010 وأصبح الآن لا يغطي سوى 45 %. وكذلك عدم تحسّن التصدير بالمستوى المطلوب، فمثلا استقرت صادراتنا نحو الاتحاد الأوروبي في حدود 9 مليار أورو منذ سنة 2010، وتراجع معدّل إنتاج الفسفاط من 9 مليون طن سنة 2010 إلى 2.6 مليون طن حاليا. وأفاد وزير التجارة السابق أن العجز في الميزان التجاري وتراجع مصادرنا من العملة الصعبة أدى إلى عجز الميزان الجاري الذي تجاوز 10%، وهو ما وصفه بالأمر الخطير جدّا، مشيرا إلى أن عجز الميزان الجاري أدى إلى ضغوطات على مستوى ميزان الدفوعات وإلى ارتفاع التداين وتراجع الدينار. انعكاسات تراجع الدينار وكشف حسن أن تراجع الدينار أمام أهم العملات الأجنبيّة له تأثير كبير في المقدرة الشرائيّة للمواطن لأن المواد الاستهلاكيّة المورّدة تشهد ارتفاعا في أسعارها “تضخّم مستورد”، وله كذلك تأثير سلبي في القدرة التنافسيّة للمؤسسة لأنّ المدخلات “المواد الأوليّة ومواد التجهيز” تشهد ارتفاعا في أسعارها باعتبار أنها مورّدة بالعملة الصعبة وبالتالي تفقد المؤسسة تنافسيّتها. وأوضح أن ارتفاع تراجع قيمة الدينار ينعكس سلبا على خدمة الدين التي شهدت هذه السنة ارتفاعا بأكثر من 10% نتيجة تراجع قيمة الدينار، خاصة وأن ثلثي الدّين الخارجي بالعملة الصعبة، مشيرا إلى أن تراجع تأثير قيمة الدينار في خدمة الدين مرتفعة لأنّ هيكلة الدين الخارجي متكونة في جزء كبير منها من العملة الأجنبية. تراجع قيمة الدينار هل سيتواصل؟ أكد الخبير الاقتصادي أنه لا وجود لحدود لتراجع قيمة الدينار في ظلّ عدم تحسن الأوضاع الاقتصادية وعدم عودة الاستثمار والتصدير إلى المستويات المطلوبة والضرورية، مشيرا إلى ضرورة دفع الاستثمار وتصدير الفسفاط وإنتاج البترول وتشجيع استعمال الطاقات المتجدّدة وترشيد الواردات، إلا أنه توقع أن الدينار سيشهد استقرارا مع منتصف سنة 2019، إن توفرت الظروف الملائمة وتحققت أهداف الحكومة في مجال التحكم في العجز التجاري والتضخم. وشدّد على أن استرجاع إنتاج الفسفاط نسقه الذي كان عليه سنة 2010، كفيل بتقليص العجز في الميزان التجاري واستقرار الدينار إلى مستواه العادي وبالتالي تحسّن المقدرة الشرائية وتقلّص التضخم المستورد. كما أكد وزير التجارة السابق أنّ التحكم في العجز العمومي من خلال تقليص العجز في ميزانية الدولة ومعالجة وضعية المؤسسات العمومية والصناديق الاجتماعية وترشيد الدعم من شأنه أن يقلّص الطلب على العملة الأجنبية وبالتالي الحد من انهيار الدينار. وفي هذا السياق، من الضروري أيضا، العمل على إصلاح مجلّة الصّرف وسنّ عفو عن جرائم الصّرف والسماح لكل التونسيين بفتح حسابات بنكية بالعملة الصعبة وذلك من أجل مقاومة السوق الموازية للعملة الصعبة وتوجيه الموارد الهامّة في هذه السوق الهامشية إلى النظام المصرفي التونسي، وفق محسن حسن. وأفاد حسن بأن تراجع الدينار متربط بالوضع السياسي في البلاد، مشيرا إلى وجود أطراف تسعى إلى جرّ تونس إلى مربع العنف والفوضى وتوتير الأوضاع السياسية والاجتماعية المفتعلة وهدفها الوحيد هو إسقاط الحكومة. كما أكد أن الحلول الاقتصاديّة ووعي النخبة السياسيّة مهم لإيقاف تراجع الدينار، وأنه إذا ما تم الالتزام بذلك بإمكان الدينار التونسي أن يصل إلى ما لا نهاية لأنه خاضع لقانون العرض والطلب