شهدت تونس بعد ثورة 17 ديسمبر/14 جانفي نقلة نوعيّة من حيث عدد الأحزاب فتطوّرت من 9 أحزاب مرخص لها بالعمل القانوني، وهي “حركة الديمقراطيين الاشتراكيين وحزب الوحدة الشعبية والحزب الديمقراطي التقدمي والحزب الاجتماعي التحرري والاتحاد الديمقراطي الوحدوي وحركة التجديد والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات وحزب الخضر للتقدم والحزب الحاكم وهو التجمع الدستوري الديمقراطي” إلى 216 حزبا. ولئن تعتبر التعدديّة الحزبية مظهرا من مظاهر الديمقراطية التي قامت من أجلها الثورة وقدّمت تونس من أجلها شهداء أبرارا، فإن طفرة الأحزاب لم تضف أي إنجازات تذكر في ظل تردي الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصادية والأمنية والتعليمية وغيرها التي تعيشها البلاد. كما أن الأحزاب التي برزت بعد الثورة اضمحلّ جلّها ولم يبق في الساحة السياسيّة فعليا سوى عدد من الأحزاب نذكر منها نداء تونس وحركة النهضة وائتلاف الجبهة الشعبية والتيار الديمقرطي وآفاق تونس.. ولعلّ اضمحلال جلّ الأحزاب يعود إلى عدم تمكّنها من الصمود أمام أحزاب ذات مرجعيّة تاريخيّة وفكريّة تمكّنت من التموقع بفضل قواعدها الجماهيريّة الواسعة. وكان الفرقاء السياسيّون قد أصروا في مرحلة سابقة على سياسة الحزب لكل واحد إلا أنه عند اصطدامهم بالنتيجة قرّروا التوجّه لسياسية الانصهار بين الأحزاب والاندماج وتكوين ائتلافات ليتمكّنوا من خلالها خوض غمار الانتخابات المقبلة ومنافسة الأحزاب المهيمنة حاليا. وأكد الدبلوماسي السابق والمحلّل السياسي عبد الله العبيدي أن الأحزاب أيقنت أن عددا من الأحزاب تمكّنت من ربط علاقات مع الخارج أو مع رجال أعمال في الداخل لكسب تمويلات في حين أن الأحزاب الأخرى بقيت دون تمويلات وهي التي تحاول التقرّب من الأحزاب التي تمكّنت من الحصول على تمويلات لضمان ديمومتها واستمراريتها. واستبعد العبيدي في تصريح للشاهد أن يكون الهدف من الائتلافات والاندماجات الحاصلة بين الأحزاب هي الفوز على الأحزاب الكبرى معتبرا أن البرنامج الانتخابي هو الذي يسمح للحزب بالفوز وليس حجمه خاصّة وأن جميع الأحزاب في بداياتها. ووضّح المحلّل السياسي أن ترؤس الحزب وحده لا يكفي وأن الحزب يجب أن يكون له موقع في البرلمان والدخول للبرلمان لا يكون إلا بتمويل، وفق تعبيره، وأشار إلى أن حزب الشاهد مثلا ليس له انتشار جغرافي والنواب الذين كونوا كتلة الائتلاف كانوا مساندين لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي ونداء تونس ولذلك نجحوا وهم بصدد البحث عن رصيد ميداني لاستكمال مشوارهم، مشدّدا على أن الهدف من الائتلافات هو التمويل والانتشار الجغرافي