حين تعدد المشهد التلفزيوني في تونس، ظننا خيرا واعتقدنا أن التعددية الإعلامية ستساهم في صقل وعي المواطن ليشعر بعظمة النعمة التي من بها الله عليه، وهي نعمة الحرية خاصة أن ما تسلط على عقل التونسي طيلة سنوات الديكتاتورية من “قصف إعلامي” مركز سطّح وعيه وأصاب ثقافته في مقتل، وهو ما يجعل الرقي بذلك الوعي وتهيئته لفهم معاني الثورة وما عليه بذله من تضحيات حتى ينعم بثمارها واجبا وطنيا على كل وسائل الإعلام المطالبة بالقيام بأعباء الثورة الثقافية التي يحتاجها المواطن لتتجسم مبادئ ثورته سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. إلا أن الأمل سرعان ما خبا وتحول إلى خيبة جراء ما تبثه بعض القنوات من “سموم إعلامية” تصيب المواطن ب”تعفن معرفي”.. ولئن تحسن أداء أغلب القنوات، فإن قناة “التاسعة” مازالت مصرة على ترويج الرداءة وعلى تكريس البذاءة حتى صار من الضروري التساؤل أي دور لهذه القناة ضد وعي المواطن؟ ولماذا هذا الإصرار منها على “العبث” و”التصابي” الذي يخلق ردود أفعال منددة بما ترتكبه من “اعتداءات” على فهم المواطن وذوقه؟ وهل يريد أصحابها أن تكون قناتهم خاسرة ماليا بتنفير المواطنين منها لأنه كلما نقصت نسبة مشاهدتها، قلّ الإشهار الموجه لها؟ وهذا يجرنا إلى السؤال الأهم من يمول هذه القناة؟ ولماذا لم تتدخل الهيئة المستقلة للإعلام السمعي البصري المعروفة اختصارا باسم “الهايكا” لدى إدارة القناة لتعديل خطها التحريري بما يستجيب للحد الأدنى من الذوق الذي هو عمومي مشترك بين المواطنين؟ وهل إن قناة التاسعة فوق القانون حتى لا يتم كشف علاقة القناة بالصحفي الصهيوني الذي قدم مداخلة تلفزيونية للقناة العاشرة الإسرائيلية على خلفية اغتيال الشهيد محمد الزواري. فهل لقناة التاسعة علاقات سرية بالكيان الصهيوني خاصة أن قناة “التاسعة” كانت ستبث برنامج “شالوم” قبل أن تتخلى عنه لقناة “تونسنا” وكل التونسيين يعلمون الشبهات التي حامت حول برنامج “شالوم” الذي بدا وكأنه عملية جس نبض لوجوه سياسية حول إمكانية تعاملها مع إسرائيل. منذ تأسيسها والشبهات تلاحق قناة التاسعة حيث أسسها رضا شرف الدين ومعز بن غربية وتزامن انطلاقها مع محاولة اغتيال رضا شرف الدين وأيضا الضجة التي أثارها معز بن غربية حين أعلن أنه يعلم قاتلي الشهيد شكري بلعيد ليفر بعدها إلى سويسرا وهناك يصور فيديو يتحدث فيه عن التحاق من يريدون تصفيته، به، ليدفنوا معه السر الذي يمتلكه إلى الأبد. وبعدها عاد الى تونس وكان شيئا لم يكن بل أعلن أنه مصاب بانهيار عصبي جعله يقول ما يقول ليقيم بعدها في أحد الفنادق التي تملكها عائلة عثمان جنيح ويتم إصدار شهادة طبية من أحد مصحات سوسة تؤكد تدهور حالته النفسية.. وهنا سنفهم كل الخور الذي رافق قناة التاسعة منذ تأسيسها إلى حد اليوم. فهذه القناة يمتلكها ويشرف عليها من وراء الستار عمر جنيح المرتبط بعلاقات استثمارية غريبة والذي وظف القناة للتأثير في أحزاب سياسية وشخصيات منهم محسن مرزوق الأمين العام لحزب مشروع تونس محسن مرزوق، حين فبركت تصريحات له عقب لقاء جمع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بعدد من الشخصيات السياسية في ديسمبر الفارط. كما لا ننسى ما يتم “التلفظ” به في برامج هذه القناة من “فظاعات” بغرض خلق “البوز”. وقبلها وهو الأهم صرف اهتمام التونسيين عما يفيدهم.. فهل أن لعمر جنيح أهداف سياسية أم أهداف ثقافية أم له غايات ربحية؟ من المؤكد أن ما يتم بثه على القناة لا علاقة له بالثقافة ولا يمكن أن يحقق ربحا ماليا للقناة ولا لعمر جنيح لأن نسبة المشاهدة تراجعت. أما الغايات السياسية فإن لم تكشف عاجلا فإنها ستظهر ساطعة عاجلا.. ومن المؤكد أن الاستقواء بقناة تلفزية لن يدوم، والسعي إلى استعمالها لتعطيل مسار تونس نحو الرقي الثقافي المؤدي إلى الاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي لن يفيد لأن التونسي قادر على التمييز بين من يسعى إلى “دمغجته” ومن يريد اتحافه بمادة إعلامية تغذيه. ولن يستفيد عمر جنيح من قناته حتى لو زينها بأجمل الجميلات وخصصها للإغراء لأن ما بني على باطل لن يدوم. ياسين الصيد