ألقت مسألة الهوية بظلالها على الحياة العامة إذ تم توظيفها بشكل كبير خلال أبرز المحطات الحساسة التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة، واعتقد جزء من النخبة أن دورهم لا يتحقق إلاّ عبر تقديم أنفسهم على نقيض ما هو سائد عبر اقتراح أفكار تتناقضُ والطاّبع المُحافظ للشعب التونسي. وظهرت في الفترة الأخيرة حملاتٌ تقودها أطراف من النخبة التي تنسب نفسها إلى الحداثة والتقدمية، والعلمانية تُطالب بهدم مراكز تعليم القرآن وإلغاء الحج والمجاهرة بالإفطار والتخلي عن وزارة الشؤون الدينية. واعتبر المفكّر والكاتب يوسف الصديق أن بداية الحل في المحافظة على إسلام معتدل بعيد عن مظاهر التشدّد الديني هي “التخلي عن وزارة الشؤون الدينية كي يعود الإسلام إلى المواطن ولا يكون في قبضة الدولة”. وشدّد الصدّيق على “أنّه لا بدّ من التخلي عن وزارة الشؤون الدينية وتسليم المساجد للعناية بها كمعالم لوزارة التراث”، حسب ما نقلت عنه صحيفة الشروق في عددها الصادر اليوم الأربعاء 20 فيفري 2019. وأضاف “المواطن وحده هو الرقيب لما يحصل في المسجد والقول بأن المساجد تحت السيطرة قول أسطوري فالمساجد تحت السيطرة بالأخلاق العامة وليس بالسلطة… أستغرب ترك الوزارة 66 بالمائة من الأيمة يخطبون في المساجد رغم معرفتها بأن مستوياتهم العلمية دون الباكالوريا… كان لا بدّ من إلغاء خطب الجمعة فهي لم تكن فرضا إلى حين توفير أيمة ذوي مستويات علمية محترمة”. وقوبلت دعوات التخلي عن الوزارة، بحملة استنكار واسعة من قبل نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الذين اعتبروا هذه الدعوات تأتي في إطار استراتيجية لضرب الشعب التونسي في دينه ومقدساته وهويته عبر الدعوة إلى إلغاء وزارة معنية بتسيير المساجد والمرافق الدينية، في سابقة هي الأولى في تونس. وقال الكاتب العام للنقابة الأساسية للوعاظ، رضا خير الدين، إن “الدعوة إلى حل الوزارة خطوة غير منطقية ولا تتسم بالحكمة، وتفتح الباب على هدم المؤسسات والهياكل الرسمية في البلاد”. وكان الصديق قد أثار جدلا الأسبوع الماضي بتأكيده بأنه وقبل كتابة الدستور اتصل برئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، واقترح عليه مراجعة الفصل الأول منه وإلغاء كلمة الإسلام من الفصل الأول للدستور. وليست هذه المرة الأولى التي يتمّ استهداف الشعب في مقدساته الدينية، حيث تلوح بين الفينة والأخرى دعوات من قبيل المجاهرة بالإفطار وإلغاء الحجّ كما يشهد مجلس الشعب جدلا بين نوابه إذا ما تعلق الأمر بموضوع ديني أو بوزارة الشؤون الدينية. وكتب المُدوّن رفيق العوني ” وأنا أتابع مداولات مجلس نواب الشعب وهم يناقشون ميزانية وزارة الشؤون الدينية وأثر تدخلات بعض النواب يتأكد لك أن كل شيء عندهم مقدس إلا ما يتعلق بالشأن الديني الإسلامي لا غيره”. وأضاف “حرية الإعلام عندهم مقدسة.. وحقوق المرأة مقدسة.. وحرية الثقافة مقدسة.. وحرية الراي مقدسة وانا مع ذلك.. ولكن عندما يتعلق الأمر بالشأن الديني الإسلامي يصبح ضربه والطعن في أهله مباح وحتى الدستور ترفع عنه القدسية عندما تنص بعض بنوده على قدسية الدين الإسلامي”. وختم العوني تدوينته بالقول “بكل صراحة يتأكد لنا يوما بعد يوم ان هؤلاء لا يريدون القيم والتربية الإسلامية تسوس مجتمعنا المسلم”. وغالبًا ما تُثير القضايا المتعلقة بالشأن الديني في تونس، نقاشات واسعة بين علماء الدين والأئمة والمعسكر المحافظ من جهة، والنخب الليبرالية والأحزاب اليسارية والمُعسكر التقدّمي من جهة أخرى، وهي نقاشات عادة ما يكون لها تأثيرها في توجيه الرأي العام تمهيدا لمبادرات سياسية وحزبية وكذلك من أجل الضغط على أصحاب القرار.