من المعلوم أن حزب “قلب تونس” هو فعليا أحد الشقوق الثمانية المؤسسة من طرف بعض قياديي النداء، إذ هو الحزب المؤسس رسميا في 25 جوان الماضي كتحيين لحزب وصغير ومغمور أسسته “هدى الكناني” منذ سنوات تحت ممسى “الحزب التونسي للسلام الاجتماعي”، إضافة الى أنه قد قام على عدد من مرتكزات رئيسية هي نفسها التي أسس عليها حزب نداء تونس سنة 2012 على غرار التجميع والنفعية الشخصية للقيادات الرئيسية والمصالح، إضافة إلى الارتكاز على الفرد الزعيم المؤسس. ولئن كان الرئيس الراحل والأسبق السبسي صاحب تجربة سياسية كبيرة مكنته من تجميع تيارات وروافد، موظفا طبيعة المرحلة فإن “نبيل القروي” لم ولن تكون له أي تجربة تُذكر بل لم ولن يقدر أصلا على جمع أي مكونات ولا روافد ولا أي من تلك التيارات التي التفت حول السبسي عند تأسيسه وتسييره للنداء بين سنتي 2012و2014، حتى أن محيط القروي قد وصف من طرف ضابط الموساد السابق ب”الأغبياء”، وذلك عائد إلى أن قيادات قلب تونس ورجال القروي هم بعض من انتهازيي الفرص السياسية وبعض ندائيين نفعيين ومن بينهم رجال أعمال ومُوظفون في قناته وشركاته وشركات شقيقه “غازي”، وبعضهم الآخر من عائلته وأعضاء في جمعيات تونسية ومحافل دولية وهذه الأخيرة هو قريب منها ومؤسس لبعضها أو بالأحرى لبعض فروعها، ولكن ما هي حظوظ بقاء كتلة الحزب متماسكة وفي أي اتجاه سيغادر بعض أعضائها خاصة في ظل ما يجري في الكواليس بين مكونات المنظومة القديمة والجريحة وخاصة اثر ما سماه البعض ب”اللطخات” الثلاث (أي نتائج الدور الأول لرئاسيات 2019 – نتائج التشريعية – نتائج الدور الثاني)، وبالتالي أي مستقبل للحزب وللقروي وجمعيته “خليل تونس”؟ واقع الحزب والكتلة والقروي بعد الهزيمة * الثابت أن نبيل القروي ليس مجرد رجل أعمال واعلامي وسياسي بل هو ابن منظومة تتداخل فيها الابعاد الوطنية والإقليمية والدولية، صحيح أنه رئيس الحزب ومديره الأول رسميا باعتبار أنه شبيه بحزب “الشركة” الذي أسسه سليم الرياحي سنة 2011، والذي عرف يومها بحزب الشركة أو حزب “توا”، ذلك أن القروي هو منطقة التقاء للشركات العابرة للقارات ول”السيستام” النوفمبري والتجمعي وهو أحد تجسدات بارونات رجال الاعمال الفاسدين. * بنى القروي استراتيجيته وفقا لآراء ونصائح كل من “طارق بن عمار” و”برلسكوني” و”الوليد ابن طلال” ووفقا لإستراتيجيا “نجيب سيروس” (رحل الاعمال المصري”، وهي استراتيجيا تقوم أن يكون مُسيطرا على كل دواليب الحزب الغاية وهو كحزب مجرد واجهة من أجل توظيف العمل الخيري والقناة لصالح شخص القروي وحلفائه. * لم ينتبه الجميع بما فيهم السياسيين لما قام به القروي لمدة أكثر من سنتين إضافة الى اللعب على عوامل التناقض الرئيسية داخل “السيستام” وأيضا داخل قصر قرطاج بين مستشاري السبسي ومساعديه وحتى داخل القصبة، وما نسيه القروي ورجاله انهم أعادوا نفس أخطاء النداء طلك أن الدعم الإقليمي والدولي والمال مهما كان حجمه لا يصنعون حزبا، وأن أمثال “طوبال” و”مخلوف” و”اللومي” و”سميرة الشواشي” هم عمليا أوراق محروقة في الفعل والتسيير السياسي، ولذا ف”قلب تونس” هو عملية تركيب لحزب وظيفي لخدمة طموحات القروي السياسية والاجتماعية والتي بحث عنها منذ كان قياديا في نداء تونس وخاصة بعد لقاء المنار المعروف عشية انتخابات 26 أكتوبر 2014 عندما رفض المرحوم السبسي الانسحاب من السباق الرئاسي لكل من “القروي” نفسه ولصالح “محمد مصطفى كمال النابلي”. * . لم ينجح “قلب تونس” و”القروي” في تكرار ما حدث مع نداء تونس والذي بُني في بعض مربعاته وخاصة على المستوى الإعلامي على الخدمات الاتصالية لقناة القروي والخدمات الاشهارية لشركة الاشهار الخاصة به وبشقيقه غازي القروي أي شركة “قروي آند قروي”، ويذكر الجميع رقصات القروي مساء 26-10-2014 عند فوز النداء بالمرتبة الأولى في تشريعيات 2014، وبالتالي فشلت الاستراتيجية التي اعدت بطريقة سريعة ونسخ غبي للتاريخ ولتجربة النداء، ونسي هؤلاء ان الشعب التونسي هو أكثر شعوب الأرض ذكاء وفطنة وسابق لنخبته بعقود وبالتالي فشلت عملية إعادة تركيب نداء تونس. * “قلب تونس” كان أكثر تشويها وتشوها من نداء تونس، بل وكان أكثر دراماتيكية ولم تفلح عمليات ركوب وتوظيف العمل الخيري وامتطاء حافلة “الشعبوية” كما فشلت عملية التناغم الوظيفي مع حزب عبير موسى وجمعية “عيش تونسي” والدعم البرو-صهيوني الطي أمنته بعض دول إقليمية لإيصال القروي لقصر قرطاج رغم أن جزء من المخطط قد رتب له فعليا منذ 2015، ولعل تقديم قائمات خاصة وقريبة من الجمعية التونسية الاسم والفرنسية الهوى مقابل تقديم قائمات خاصة بالحزب الوليد والمركب والمُرتب وفقا للشخصية القروي وطموحاته وأجنداته المستقبلية، يبقى أمرا محيرا وغامضا. أي مستقبل للحزب وهل هو مرشح لأدوار وظيفية جديدة؟ * من الواضح أن الحزب وحلفائه داخل البرلمان سيعمدون الي لعب أدوار وظيفية محددة رغم عدم امتلاكهم للثلث المعطل، بل أن هناك قابلية لنواب الحزب للسياحة السياسية والتموقع ضمن كتل أخرى بغض النظر عن هويتها ويبقى ذلك مرتبطا بالتطورات خلال الأيام والاسابيع القادمة .. * لا شك أن حلفاء القروي الإقليميين والدوليين، سيبحثون عن جواد آخر مثلهم مثل محافل وشركات عابرة للقارات بما فيها بعض فروع وتوابع تلك الشركات التي أنشأها القروي بنفسه في الخارج للتوظيف والتمويه، على أن عملية إعادة القروي للساحة السياسية بروتشات جديدة تبقى قائمة مثلما هو وارد تحويل روافد الحزب والكتلة ولوجستيك القروي، لصالح شخصية ثانية قريبة من القروي وتأتي من الخلف لخلافته ووراثته والقيام بالأدوار المستقبلية وفقا للتطورات والمتغيرات الجديدة. * خاض الحزب الانتخابات البرلمانية في 33 دائرة انتخابية، وتحصل على 38 مقعدا لكنه سيدخل مطبات الخلافات والصراعات وستكون ترتبات هزيمة القروي في الرئاسية وعدم تصدر الحزب للتشريعية، كارثية عليه وعلى حزبه وعلى كتلته النيابية، بل أن فضائح نوابه الجدد في برلمان 2019 بدأت في السطوع والظهور على غرار التحقيق مع مخلوف بتهمة التحرش الجنسي وحديث متداول في الصفحات الاجتماعية أن نائبة بإحدى ولايات الجنوب الشرقي لها إشكالات تسيير لأحد فروع الاتحاد النسائي والعاملين به، إضافة الى نموذج سياحة احدى النائبات المعروفات منذ 2010 بين حوالي ست أحزاب والمقصود هنا هي سميرة الشواشي الناطقة الرسمية للحزب (الوحدة الشعبية – المبادرة – الوطني الحر – النداء – قلب تونس.)، إضافة الى ان شقيق القروي فار من العدالة وهو نائب فائز عن دائرة بنزرت . * من الواضح أن نواب الحزب وجوه مستهلكة سياسيا وهي وجوه تتسم بالبعد الشعبوي خطابا أو أنشطة سابقة وحالية، والا لمادا ترتبط سياسيا بالقروي رغم أنه ومنذ 08 جويلية تم له توجيه تهمة غسل الأموال، كما منع يومها من مغادرة البلاد وتم تجميد ممتلكاته، وصولا الى عملية القبض عليه في 23 أوت/أغسطس الماضي بموجب مذكرة توقيف صادرة عن شعبة الاتهام التابعة لمحكمة استئناف تونس. * رغم أنّ الدعاية الإعلامية للحزب وأعضائه فاقت الخيال في قناته، فإنه بقي حزبا هشا ومهتز سياسيا ولا مستقبل له وستعرف كتلته تصدعات وانسحابات وسيكون انهزام القروي بتلك الطريقة المدوية ستكون ترتباتها غير متوقعة وغير محدودة من حيث الضعف السياسي والتناقض والتضارب في المواقف داخل المجلس المقبل وخارجه، وفي وقت لاحق سيدخل الحزب في مطبات الفتور والانشقاق خاصة في ظل مناورات شُقي المنظومة القديمة الآخرين (أو ما يعرف ب”السيستام”)، وهي المنظومة التي يعتبر القروي أهم رموزها ووجوهها رغم حشره من قبل البعض من مؤيديه وخصومه في مربعات “الشعبوية” بمعناها التاريخي والمتداول أكاديميا واعلاميا وسياسيا، وهو ما يعني أن التطورات في الأيام القادمة قد تتجه في كل جوانبها لغير صالح “الحزب”، وسيغادر نواب كتلته في أغلبهم لأحزاب لعل الأقرب منها هي “تحيا تونس” و”الدستوري الحر”. * أن يُمنى الحزب بخيبات أخرى سياسية يبقى أمر واردا، ولكن ذلك سيرتبط بتشكيل حكومة من عدمه، وسيبقى مستقبل الحزب مرتبطا بترتيبات عائلة القروي وحلفائها الماليين في الداخل والخارج وهو أمر مرتبط أيضا بصفقات وترتيبات قد تُعقد في قادم الأيام والأسابيع، وأيضا بحسابات فاعلين محليين وإقليميين ودوليين، ومما لا شك فيه أن الاحداث في مصر وليبيا والجزائر ستلقي بظلالها على المشهد السياسي وعلى حزب قلب تونس ومؤسسه (وهو في الحقيقة مالكه الوحيد)، وعلى كتلة الحزب ككتلة ثانية وهي الكتلة التي قد تفقد موقعها في ترتيب الكتل خلال الأسابيع القادمة ان لم يكن في هذه الأيام. علي اللافي، كاتب ومحلل سياسي