بعد فشل حكومة الحبيب الجملي في نيل ثقة مجلس نواب الشعب، في جلسة عامّة، مساء أمس الجمعة، تتّجه الأنظار اليوم، إلى السيناريو البديل، وفق ما ينصّ عليه الدستور، وهو أن يتولى رئيس الجمهورية قيس سعيّد تكليف شخصية جديدة بتشكيل الحكومة القادمة. وينصّ الفصل 89 من الدستور على أن يقوم رئيس الجمهورية بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر في حال فشل الحزب الأول في الانتخابات التشريعية في تكوين الحكومة خلال شهرين على أقصى تقدير. وإذا مرّت أربعة أشهر على موعد النتائج النهائية للانتخابات التشريعية، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، يمكن لرئيس الجمهورية حلّ مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما. مهمة صعبة بداية من اليوم، من المنتظر أن يحسم رئيس الدولة قيس سعيد أمره باختيار الشخصية الأنسب لتولي هذه المهمة بعد إجراء مشاورات مع الأحزاب والكتل الممثلة داخل البرلمان لضمان كسب الأغلبية المطلوبة لتمرير الحكومة القادمة (109 صوتا). وأمام هذا السيناريو، يبدو أن مهمة سعيّد في اختيار الشخصية الأقدر تبدو صعبة أمام تعدّد الأحزاب والكتل التي دفعت لإسقاط حكومة الجملي من أجل المرور إلى ما أسمته بحكومة “الرئيس”، رغم عدم قانونية أو دستورية التسمية. هذه الأحزاب التي أجهضت المشاورات التي أجراها الحبيب الجملي على امتداد شهر ونصف مع القوى السياسية من أجل تكوين حكومة سياسية، في سبيل الدفع إلى الخيار الدستوري الثاني وهو أن يتولى رئيس الجمهورية تعيين رئيس حكومة وسحب البساط من حركة النهضة، ورمي الكرة في ملعب سعيّد، لن تسمح بأن تكون المشاورات مع رئيس الدولة أقلّ صعوبة ممّا كانت عليه مع الجملي، إذ ستحاول هذه الأحزاب فرض مقترحاتها على سعيّد رغبة في التموقع في الحكومة المرتقبة. كما أنه من البديهي أن لكل هذه الأحزاب مقترحات أسماء لرئيس الحكومة المرتقب ستطرحها على رئيس الدولة ويكون شرط قبول كل حزب بالمصادقة على “حكومة الرئيس” تمرير مقترحها حول اسم رئيس الحكومة القادم، ما يحيلنا إلى أن مشاورات سعيّد مع هذه الأحزاب سيضاهي العُسر الذي رافق مشاورات الجملي مع تلك الأحزاب. التيار له مقترحات وقد جهّزت بعض الأحزاب مقترحات أسماء لرئيس الحكومة القادم، حتى قبل جلسة التصويت على حكومة الجملي التي باءت بالفشل، وستعرضها على سعيّد، منها حزب التيار الديمقراطي، الذي أكّد على لسان نائبه غازي الشواشي، في تصريح لموقع “الشاهد”، أن “حزبه جهّز أسماء سيقترحها على رئيس الدولة”. وأضاف الشواشي أنه “يفضّل أن تكون الشخصية التي يختارها رئيس الدولة شخصية سياسية لها تجربة نضالية وله حنكة في تسيير دواليب الدولة وله قدرة على قراءة المشهد السياسي كما يجب”. وشدّد الشواشي على أن التيار سيقدم مقترحات لرئيس الدولة رافضا الكشف عنها، مؤكدا أنه سيتم ذكرها في الإبّان. ومن غير المستبعد أن يرشّح التيار الديمقراطي أمينه العام محمد عبّو لمنصب رئيس حكومة “الرئيس” كما يصفونها. جبهة برلمانية وأمام تشكّل جبهة برلمانية تضم كل من كتل قلب تونس وتحيا تونس والإصلاح الوطني، التي أطلقت مساء أمس مبادرة حول مشاورات تشكيل الحكومة القادم، لم تكشف عن محتواها بعد، يبدو أن هذه الجبهة ستدفع لاختيار مرشّح لرئاسة الحكومة من داخلها، إن حصل التوافق بينها. وقد يكون اختيار شخصية توافقية لرئاسة الحكومة من داخل هذه الجبهة أمرا عسيرا إن لم يكن مستحيلا، إزاء تعدّد الطامحين لهذا المنصب ورغبة كلّ كتلة في الدفع إلى اختيار مرشّحها، خاصة كتلة تحيا تونس التي لا ترى في غير رئيس حزبها يوسف الشاهد الأنسب لهذا المنصب، خصوصا بعد التقارب الملفت بين رئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد ورئيس الجمهورية قيس سعيّد، والذي اعتبره عدد من المراقبين محاولة من الشاهد للبقاء في رئاسة الحكومة في حال أحيلت مسألة تشكيل الحكومة على أنظار قيس سعيّد. الكرة بملعب سعيّد وفي انتظار انطلاق المشاورات التي سيقودها سعيّد مع الأحزاب وما ستفرزه من نتائج، تبدو رؤية رئيس الدولة غير واضحة بعد في علاقة بتشكيل الحكومة، إذ عبّر في مناسبات عديدة جمعته برئيس الحكومة المكلّف الحبيب الجملي ورئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أنه لا يرغب في حكومة “الرئيس” ولا يحبّذها، وها هو اليوم سيكون مجبرا بالدستور على استلام زمام الأمور. وعن رأيه في المرور لسيناريو “حكومة الرئيس”، اعتبر الغنوشي، في آخر تصريحاته، أنّ “فرضية فشل المحاولة الأولى المتعلقة بنيل حكومة الجملي للثقة بالبرلمان في الجلسة العامة، تقتضي أن يختار رئيس الجمهورية الشخصية الأقدر على تجميع الأغلبية حوله، وجمع التونسيين، وأن يتصف بالصفات المناسبة للقيام بهذا الدور”.