تتسع رقعة فيروس كورونا يوما بعد آخر، حيث تجاوز عدد الدول الذي بلغهم الفيروس 160 دولة وهو ما أثر في عديد الأنشطة الثقافية والاقتصادية والسياسية والرياضية وحتى الدينية بعد تعليق صلاة الجماعة في عدد كبير من الدول وكذلك قررت المملكة العربية السعودية تعليق العمرة. ويرجّح ملاحظون أن السعودية قد تتجه إلى تعليق الحجّ هذا العام والذي سيكون في بداية شهر أوت القادم وذلك في صورة تواصل هذا الفيروس. وعبر 14 قرنا كان المسلمون يحجّون إلى بيت الله الحرام ولم يتوقّفوا عن ذلك إلا 40 مرة بسبب ظروف معيّنة على غرار انتشار الأوبئة أو لظرف سياسي أو أمني أو صعوبة الطريق والغلاء الشديد. وكانت أول هذه المواسم التي تعطل فيها الحج جزئيا أو كليا جرى في عام 940 للميلاد، وكان بسبب هجوم القرامطة وسفكهم دماء حجاج بيت الله، واقتلاعهم بعد مذبحة رهيبة الحجر الأسود ونقله إلى مدينة “هجر” بالبحرين. وتبعا لذلك، تقول كتب التاريخ إن موسم الحج تعطل بعد واقعة سرقة الحجر الأسود لعدة سنوات، يقال إنها بلغت 10 أعوام، لم تؤد فيها مناسك الحج. وتعطل فيه الحج عام 968 للميلاد، ويقول ابن كثير إن الداء انتشر في مكةالمكرمة “فمات به خلق كثير، وفيها ماتت جمال الحجيج فى الطريق من العطش ولم يصل منهم إلى مكة إلا القليل، بل مات أكثر من وصل منهم بعد الحج”. وتعطل موسم الحج في عام 1030 للميلاد، حيث لم يؤد الفريضة إلا مجموعة من العراق، وانقطع أهل العراق وخراسان والشام ومصر وإفريقية عن الحج في موسم عام 1039 م. وفي عام 1814، مات نحو ثمانية آلاف شخص جراء تفشي الطاعون في بلاد الحجاز، ما أدى إلى توقف الحج في سنة الطاعون. كما تفشّت الأوبئة سنة 1837 خلال فترة الحج، واستمرت حتى 1892، وشهدت تلك الفترة موت ألف حاج يوميا. وبدأ أول وباء كوليرا في القرن التاسع عشر الميلادي في الفترة بين عامي (1817-1824م) وعرف باسم “كوليرا آسيوية” واندلع من مدينة كلكتا الهندية لينتشر في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا إلى الشرق الأوسط وشرق إفريقيا وساحل البحر المتوسط. وفي حين انتشرت الكوليرا في الهند عدة مرات من قبل، إلا أن تفشي المرض في تلك الحقبة ذهب أبعد من ذلك ليصل إلى الصين والبحر الأبيض المتوسط قبل أن ينحسر، بعد أن خلف مئات الآلاف من الموتى بما في ذلك العديد من الجنود البريطانيين. وفي هذه الفترة مات آلاف من الحجاج بالوباء، الذي انتقلت عدواه من بؤرته الأساسية في شرق وجنوب آسيا، إلى طرق الحج ومكة، وفي عام 1831م تفشى الوباء الآتي من الهند مجددا ليحصد أرواح العديد من الحجاج. وشهدت مواسم الحج حتى عام 1840 مواسم متقطعة لتفشي الوباء، وكذلك في الفترة من عام 1846 إلى عام 1850م. وضمن ما سمي “وباء الكوليرا الرابع” بالقرن التاسع عشر، تفشى الوباء من جديد وفي السنة الأولى له 1863م ذهب عشرات الآلاف ضحية الوباء الذي اجتاح الحجاز وأنحاء الشرق الأوسط، وانتقل لروسيا وأوروبا وإفريقيا ليحصد مزيدا من الأرواح خاصة في زنجبار شرق إفريقيا، وبعد عدة سنوات فقط أصبحت بؤر الكوليرا شائعة في مدن أوروبا وروسيا وحتى أميركا الشمالية. وفي عام 1892 تزامن تفشي الوباء مع موسم الحج ودفن العديد من الموتى في مكة.