ما بين قيادة المرأة للسيّارة وبعض الآليّات الأخرى كالدرّاجات والطائرات في مختلف الدول العربيّة وما بين قيادة المرأة الغربيّة للشاحنات والصواريخ تظلّ مطالبة المرأة السعوديّة لقيادة السيّارة تراوح مكانها خاصّة مع ازدياد الحاجة إلى ذلك ونظرا لخروج السعوديّات إلى مجالات العمل والدراسة والتدريس وإلى غير ذلك من المهام التي تتطلّب تذليل المسافات وتيسير التنقل، وما زالت المرأة السعوديّة في صراع مع حكومة بلادها فمرّة تخرق قوانين المنع وتقود السيّارة فتضبط وهي في حالة تلبس خلف المقود ويتمّ تحرير مخالفة تدفع بموجبها غرامة ماليّة إضافة إلى تحذيرات وزارة الداخليّة من مغبة القيادة مرّة أخرى، ولطالما وقعت المناشدات من قبل الشيوخ في المساجد بعدم تحدّي ولي الأمر من خلال الإصرار على قيادة السيّارة. قد نتفهّم التقاليد القديمة التي أبعدت المرأة عن الكثير من الأعمال أو الأشياء والتي من بينها المقود والقيادة بالنظر لمحدوديّة حركتها واقتصارها على بيت الأب أو الزوج عندما كان التسوق يعدّ من الموبقات، لكن اليوم وبعد أن تغير نمط الحياة وخرجت المرأة سوق العمل والعلم فتجاوزت نسبة الإناث في العديد من الجامعات العربيّة نسبة الذكور واكتسحت المرأة عشرات الوظائف والمهن بل احتكرت بعضها، وفي الوقت الذي وصلت المرأة لقيادة الدولة والوزارة والإدارة والأسرة في الكثير من الأحيان أمام سفاهة بعض الرجال فقد أصبح من العبث الحديث عن قيادة السيارة من عدمه، معايير مفضوحة باتت تستعملها دول الخليج وخاصّة السعوديّة حيث يحرّم على المرأة العاميّة القادمة من الزحام بواسطة المنابر الدينيّة والقانونيّة قيادة أي وسيلة نقل متكوّنة من أربع عجلات أو عجلتين أو حتى عجلة واحدة في حين نشاهد نساء القصور أمام مقود السيّارات والطائرات أو على ظهور الخيل وبين الفنادق والعواصم ودور الأزياء العالميّة، فحتى الأحكام الشرعيّة لدى فقهاء البلاط أصابتها ازدواجيّة مفضوحة، فبينما تستنفر منابر "العلماء" لمنع امرأة محجبة منقبة من قيادة سيارة تصمت هذه الفتاوي أمام استسلام الاميرات لجراحي التجميل في لندن وباريس ونيويورك، من رأس المرأة إلى أخمصها، كل شيء مباح تحت مشرط أطباء ومهندسي التجميل شفط ونفخ وشدّ، أيادي المحجبات والمنقبات عورة لا تلمس المقود ولا يلمسها، أمّا أجساد بعض نساء القصور فلا حرج إذا تلوثت بين الأصابع الأعجمية طلبا للأناقة والجمال. كم كانت الأمّة بحاجة إلى الفتاوي حين صدأت في غمدها أو حين وئدت، وكم كانت ازدواجيّة قبيحة حين تمخضّت فرفعت ولي أمر متغلّب إلى مرتبة الصالحين والصدّيقين وحرّضت على ولي أمر آخر أتت به الشورى ونصبّه الشعب. تمام محمد قطيش