قرار السلطات السعودية الاسبوع الماضي اعتماد طريقة جديدة لرصد تحركات المرأة السعودية في تنقلاتها وتحركاتها وأسفارها لا يمكن أن يقبل أكثر من تأويل للإجراءات الجديدة التي يبدو أنها أثارت غضب واحتجاج ناشطات سعوديات وهي أن صفة المواطنة لا تنسحب على حرائر السعودية، وأن تلك الاجراءات المفروضة في المطارات والمعابر باتت تشكل اهانة اضافية للمرأة واصرارا على العودة بها الى تلك العهود التي كانت فيها الانثى كائنا من الدرجة الثانية. ولعله من الغريب أن يأتي هذا الاجراء في مرحلة ما انفكت الاصوات المعتدلة في المملكة تدعو فيها الى اصلاح أوضاع المرأة وتحقيق العدالة والمساواة في بلد لا تتوقف فيه معاداة حرية المرأة عند حدود مصادرة حقها في قيادة السيارة بل وحتى في الحصول على جواز السفر وتقييد حريتها في التنقل بما لم يكن ليمر دون أن يثير ردود فعل شريحة هامة من السعوديات اللائي رفضن صفة الجواري واخترن المواجهة وتحقيق الذات على قبول منطق وقانون أهل الكهف وحياة الظلمات. اصوات النساء السعوديات "المتمردات" على القوانين والاعراف المتعسفة على حقوق المرأة تلك التي جعلت من الدين غطاء لها لتصادر حقها في السفر بمفردها وتفرض عليها البقاء رهن رضاء ولي الامر أو الوثيقة المعروفة ب"الورقة الصفراء"، ذلك التصريح الذي يتعيّن على المرأة الاستظهار به كالقصر في تنقلاتها وأسفارها، بدأت تخرق الصمت وتخرج عن المألوف بعد قرار الاسبوع الماضي الذي جاء ليفرض المزيد من القيود على النساء في السعودية حيث باتت سلطات الجمارك تتولى ارسال رسائل نصية على الهاتف الى ولي أمر كل امرأة تستعد للسفر حتى وان كان يرافقها في السفر وذلك لمجرد ابلاغه بتحركات الاسم الوارد في وثيقة السفر. وهو ما اعتبرته ناشطات سعوديات اهانة مضاعفة لهن وجاءت تصريحات الناشطة السعودية المعروفة سعاد الشمري بأن "المرأة السعودية تعامل حاليا كما العبيد في أمريكا سابقا " في حين ذهبت الكاتبة والناشطة بدرية البشر الى وصف قرارات سلطات بلادها بأنها "امعان في العبودية". ولعل أكثر ما يثير نقمة وغضب السعوديات لجوء السلطات المعنية الى أحدث التقنيات الالكترونية المستوردة من الغرب لنشر التخلف واحتجاز النساء وتقييد تنقلاتهن بما يكشف عن عقلية غارقة في السلبية ازاء المرأة واصرارا على تلك النظرة الدونية للأنثى وإلغاء لإنسانيتها وتغييبا لإرادتها واستنقاصا لإمكانياتها وقدراتها وقمعا لمشاعرها وطموحاتها، وبكل بساطة تغليبا لمنطق "ناقصات عقل ودين" الذي يراد به إزالة أي دور اجتماعي او سياسي للمرأة باستثناء ذاك الدور الطبيعي في الزواج والإنجاب... الطريقة التي اختارت السلطات السعودية اعتمادها لفرض الوصاية على المرأة منبثقة حسب الناشطات السعوديات، من المنطق الفقهي السلفي الذي ينص على أن المرأة تخص زوجها، ومن هذا المنطلق فإنه ومهما كانت ثروتها أو شهاداتها الجامعية، فهي تبقى في حاجة لترخيص الأب أو الزوج أو الأخ أو الابن، وهوما يجعلها خاضعة للابتزاز وفي موضع القاصر مدى الحياة. وتلقي الناشطات السعوديات باللوم على المؤسسة الدينية التي يعتبرن أنها ألغت الرق لكنها وجدت البديل باسترقاق النساء فتباع وتشترى كما العبيد والجواري ... وبالعودة إلى ما سلف من هذه القرارات وربما غيرها، فإن المرء يبقى حائرا وهو يتابع أنباء الاتفاقات التي توقع بين الجامعات والمدارس الوهابية وبين المؤسسات الخيرية التي تنشط تحت غطاء ديني في بلادنا، كل ذلك الى جانب وفود الدعاة وأصحاب الفتاوى والشيوخ الوهابيين القادمين إلينا من وقت الى آخر فيفرضون أنفسهم دون سابق انذار في القنوات وعلى المنابر ويقتحمون الجامعات ويصادرون حق الطلبة في متابعة العلوم والمعارف ويجبرونهم على متابعة ما يروجون له من فتاوى أو خطب لا موقع لها في ثقافة وعقلية التونسي المعتدل أصلا وهي فتاوى قد تصل حد التحريض على العنف والفتن والانشقاقات. ممارسات غالبا ما تجد لها كل الرواج والتأييد بل والتبريرات لدى أولئك الدعاة الذين ينفون على بناتهم وأخواتهم وزوجاتهم وأمهاتهم أبسط حقوقهنّ في الحرية والكرامة ويأتون محملين برؤى وأفكار ودعوات لا يمكن أن تتماشى مع قناعات السواد الاعظم من التونسيين . ولعله من المهم التذكير بأنه عندما بدأ بعض هؤلاء الدعاة بالتوافد على بلادنا وشرعت لهم كل الابواب بدعوى مناخ الحرية السائد في البلاد بعد الثورة والذي لا يمكن أن يسمح بإقصاء أو تقييد أي فئة مهما كانت توجهاتها وأفكارها أن هناك أصواتا حذرت من أصحاب الفتاوى الغارقة في التطرف ولكنها لم تجد لها صدى حتى بتنا نسمع عن دعوات وأفكار تدعو الى ختان البنات وتزويج القاصرات وتشريع الزواج العرفي الذي يبدو أنه بدأ يستشري بين شبابنا وفي مؤسساتنا الجامعية وغير ذلك من المسائل التي لم تكن موضوع نقاش ولم تشكل في أي وقت من الاوقات أولوية من الاولويات بين التونسيين في صراعهم ومعركتهم في ارساء المؤسسات الديموقراطية وتحقيق المصالحة والعدالة الانتقالية...