عادة ما يُبقى الإنسان العاقل نفسه خارج دائرة الكمال وبعيدا عن الإطلاق والشمولية والتمام ، ليبحث لغيره عن مساحة تحتمله وبقعة تاويه ، هذا الشعور وهذه الطبيعة السمحة للتونسيين دفعتهم كل مرة لالتماس الأعذار والبحث عن مخارج لسماسرة السياسة في تونس الذين فشلوا في انقلابي الجنازة وصيف 2013 ، لكي تبقيهم على قيد الحياة الآدمية ، وتنظر لهم كمواطنين بالإسعاف ومع غض البصر ، وتساعدهم على تجاوز سرطان الحقد الذي هتك كياناتهم. العديد من التونسيين أصحاب الأنفس الطيبة ومن اجل الوطن الكبير طالبوا بتجاوز فضيحة الانقلابيين الذين تلقوا المال والتوجيه من جلف الصحراء ضاحي خلفان لتخريب بلادهم والإجهاض على حلم الثورة وتلويث دم الشهداء ودفن حلم الأجيال ، وبرر الكثير جريمتهم بعدم التجربة وفشلهم في قبول وقائع 23 جانفي 2011 وغيرها من المبررات الواهية التي تحتم قبولها من اجل موطننا الجميل. وبرزت دعوات للكف عن وصف هؤلاء بجواري وغلمان خلفان والسيسي ، رغم انهم رفضوا إدانة الانقلاب في مصر ، وبرروا جرائم القتل الجماعي والمجازر الوحشية ضد الأبرياء من النساء والأطفال والصبايا والشيوخ ، كما برروا الحرق وتجريف الجثث المتفحمة وحرق مئات الجرحى في مسجد رابعة العدوية ، اتت عليهم النيران وهم في حالة نزيف يتقلبون بين الم الجراح وألم التحريق. وبدا العقلاء بالحديث عن طي هذه الصفحة مثلما طوى الأحرار من أجل عيون تونس العديد من الصفحات الدامية ، واكدوا ان الامر يختلف اليوم بعد الحوار والتوافق والحكومة المحايدة والتخلي عن الشرعية والتنازل لصحب المقعد الواحد في التاسيسي لكي يكون ندا وفي بعض الاحيان يتجاوز الندية ، وبرزت جهات فشلت في جمع صوت واحد خلال محطة اكتوبر واصبحت الفاتق الناطق وشرعيتها في ذلك ان جماهيرها الثورية تحسن حرق الاملاك وتدمير الممتلكات. واعتقد الجميع ان ثقافة الانقلاب دخيلة على الانقلابيين في تونس وان كرهها للاحزاب الحاكمة دفعهم الى ذلك وان الاصل فيهم المدنية ، وبدا الجميع يميل الى ذلك ، حتى أطل حفتر الليبي وما ادراك ما حفتر ، وما ان شاهدوا الناشين والنجوم والسيوف والبدلة العسكرية حتى نسوا ان الترويكا خرجت وان تونس فيها توافق وان لا اسلامي في السلطة اليوم ..وان .. وان ..وراينا عنواين وتعليقات ما كنا نتوقع ان تصدر من اشد الناس كرها للثورة ! "الجيش يتحرك والامور تعود الى نصابها في ليبيا" "كتائب اللواء خليفة حفتر تسيطر على العديد من المؤسسات" "حفتر رجل الاجماع في المؤسسة العسكرية الليبية" " تمّ قطع الاتصالات والانترنت عن العاصمة الليبية، كما قامت قوات تابعة لحفتر بالسيطرة على مرافئ حيوية في العاصمة طرابلس" "خليفة حفتر لم يعد لزيدان و اتباعه اي مكان في ليبيا" غريب أمر هؤلاء العبيد ! يعشقون حكم الدبابة الى حد الثمالة ، حتى وعمليات صبر الآراء ترجح انهم وحواشيهم يمكن ان يكونوا شركاء في السلطة عبر الصناديق ، إلا انهم يكرهون الصناديق التي لم يتربوا عليها ولم يطلبوها ولم يحلموا بها كما حلم بها الشعب ، يتعلقون بقشة ، يتعلقون بأهداب حفتر ، وحوافر حفتر ، وشوارب حفتر ، المهم والاهم ان لا يموت حلمهم الى الابد وان لا تختفي صورة الدبابة "والبوردكان" والشتاير والبزوكة والماوزر والكلاش والجيب والمدرعة .. هم ما دخلهم بوجع الحبر السري ومكاتب الاقتراع وعمليات الفرز الشاقة المنهكة للأعصاب ، كم يحقدون على تلك الصفوف الطويلة ، كم يكرهون رذاذ المطر الخفيف يوم الاقتراع وهو يغازل طوابير الشعب حين تكون منهمكة في صناعة الغد الأفضل. نصرالدين السويلمي