عندما نرقب السّاحة الإعلاميّة وهي تطالعنا بنفاياتها وترمينا بفلذات امعائها ، تعود بنا الذاكرة وبشكل يقطر أسى لمرحلة سابقة، وتخيّم علينا أجواء انتخبات 1981 التي زوّرها بورقيبة بعد اكتساح المستيري ، حينها وبعد عملية التزوير المفضوحة وانقلاب بورقيبة على التجربة برمّتها انتشرت في تونس عبارة التهكّم الشهيرة "تدخل خضراء تخرج حمراء" . هذا المشهد أحالنا عليه مشهد مشابه في تونس اليوم ، فحين بلغت الثورة عنفوانها وعشيّة شيع السرياطي المخلوع إلى مثواه الأخير كنّا نتغذى على وجوه صحفيّين وإعلاميّين صنعوا الحدث ووقفوا في وجه رياح بن علي السّامة، كنّا نراهم حين همّوا بدخول النفق ليعبروه من تونس 13 إلى تونس 14 ، دخلت كوكبة قليلة لكنّها موجعة للدكتاتوريّة كانت بينهم بن سدرين وصابر التونسي وسليم بوخذير والحمروني "الذكر موش الأنثى" وغيرهم الكثير، مرّت السّاعات ونحن نترقّب متى تهلّ علينا هذه الوجوه المناضلة الصادقة، طال انتظارنا تسرّب القلق إلينا، لكن سرعان ما لمحنا طليعة القوم وتنفسنا الصعداء ، اقتربوا منّا ، اقتربوا أكثر، أصبحوا خارج النفق ، دخلوا إلى تونس الثورة ، بانت ملامحهم عرفناهم !! غريبة !! الوجوه غير الوجوه !!! دخل من هناك عشيّة 14القلم الحرّ سليم بوخذير بغباره وجراحه خرج من هنا نوفل الورتاني ! دخلت من هناك سهام خرجت من هنا نجيبة ! ، حتى الشخصيّات الوطنيّة غدّروها ، وقدّموا وأخّروا فيها بشكل وضيع ومريع ، دخل من هناك الصادق شورو ، ترقبناه بلهفة فخرج من هنا شمس الدين باشا..أيّ مصيبة هذه؟؟! يبدو أنّ تونس قسّمت أبناءها بشكل مجحف ، مجموعة كتبت عليها النضال ومجموعة اختصّتها بالغنائم ، ولعلّ أبلغ ما يحقّ في بوخذير وبن سدرين وغيرهم بيت عنترة بن شداد العبسي : ينادونني في السلم يا ابن زبيبة ** وعند صدام الخيل يا ابن الأطايب. نصرالدين