محاكمة ممثل فرنسي مشهور بتهمة الاعتداء الجنسي خلال تصوير فيلم    المهدية.. إنتشال 9 جثث لفظها البحر    وزير خارجية نيوزيلندا.. لا سلام في فلسطين دون إنهاء الاحتلال    مبابي يصمد أمام "ابتزاز" ومضايقات إدارة باريس    القصرين.. رعاة وفنانو ومبدعو سمامة يكرمون الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي    أخبار باختصار    الاحتفاظ بالمهاجرة غير النظامية كلارا فووي    صفاقس الإحتفاظ بالكاميرونية "كلارا فووي" واحالتها للتحقيق    أخبار المال والأعمال    تونس تشارك في الدورة الأولى من الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي حول التعاون الشامل والنمو والطاقة بالرياض    وزارة التجارة تنفي توريد البطاطا    مجلس الوزراء يوافق على جملة من مشاريع القوانين والقرارات    عاجل/ سعيّد: الدولة لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام من يحاول المساس بأمنها    دامت 7 ساعات: تفاصيل عملية إخلاء عمارة تأوي قرابة 500 مهاجر غير نظامي    عاجل/ جيش الاحتلال يعلن مقتل ضابطين وإصابة آخرين في قطاع غزة    النادي الافريقي: 25 ألف مشجّع في الكلاسيكو ضد النادي الصفاقسي    خالد بن ساسي مدربا جديدا للنجم الساحلي؟    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    المجمع الكيميائي التونسي: توقيع مذكرة تفاهم لتصدير 150 ألف طن من الأسمدة إلى السوق البنغالية    نائبة بالبرلمان: ''تمّ تحرير العمارة...شكرا للأمن''    الطلبة التونسيون يتحركون نصرة لفلسطين    تعرّض سائق تاكسي إلى الاعتداء: معطيات جديدة تفنّد روايته    بن عروس : تفكيك وفاق إجرامي مختص في سرقة المواشي    نادي تشلسي الإنجليزي يعلن عن خبر غير سار لمحبيه    الجامعة التونسية المشتركة للسياحة : ضرورة الإهتمام بالسياحة البديلة    الرابطة الأولى: تفاصيل بيع تذاكر مواجهة النادي الإفريقي والنادي الصفاقسي    المجر ترفع في المنح الدراسية لطلبة تونس إلى 250 منحة    السنغال تعتمد العربية لغة رسمية بدل الفرنسية    عاجل : وزير الخارجية المجري يطلب من الاتحاد الأوروبي عدم التدخل في السياسة الداخلية لتونس    إنهيار سد يتسبب في موت 42 شخصا    "بير عوين".. رواية في أدب الصحراء    سليانة: 4 إصابات في اصطدام بين سيارتين    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان المغربي يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    نقطة ساخنة لاستقبال المهاجرين في تونس ؟ : إيطاليا توضح    مدنين : مواطن يحاول الإستيلاء على مبلغ مالي و السبب ؟    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    ما حقيقة انتشار "الاسهال" في تونس..؟    تونس : ديون الصيدلية المركزية تبلغ 700 مليار    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    الرابطة الأولى: برنامج مباريات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    هام/ بشرى سارة للراغبين في السفر..    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زميل صحفي مصري يتجول في نفق وينقل بضائع في
نشر في الفجر نيوز يوم 26 - 06 - 2010

فلسطين،غزة/ مصر،رفح:اختراق عالم ما تحت الأرض، وكشف خفايا الانفاق التي تربط سيناء ورفح الفلسطينية.. حلم بدأته في مصر وحققته في غزة. فعلي مدي عدة أيام حاولت النفاذ إلي دنيا الانفاق ورؤية كيفية حفرها، وكيف تعبرها السلع والبضائع والسيارات والغنم والبقر والجمال.. وانتهت محاولاتي إلي نتيجة واحدة وهي ان مفتاح عالم الانفاق في يد فلسطينيين، وإن أي نفق في
سيناء يحكمه ويتحكم فيه صاحب النفق الذي بدأ الحفر من رفح الفلسطينية. ولهذا بمجرد ان تم فتح معبر رفح وصار الدخول إلي غزة أمرا متاحا شعرت بأن الفرصة صارت مواتيه لاختراق انفاق سيناء والتجول داخلها ورؤيتها. دخلت غزة، وبحثت عمن يساعد في دخول الانفاق.. طرقت أبواباً كثيرة، وتلقيت إجابات عديدة.. البعض قال لي: إن أصحاب الانفاق لا يسمحون أبدا لأي شخص غريب بان يقترب من المنطقة التي توجد فيها الانفاق.. والبعض قال »إنسي هذا الموضوع لانه المستحيل ذاته، فصاحب أي نفق لديه قناعة بأن أي غريب سيدخل النفق يعني ان سيتم الإبلاغ عنه فوراً وسيتم إغلاق النفق أو نسفه بعد ساعات. لم أفقد الأمل وظللت أبحث في غزة ورفح الفلسطينية عن وسيط يفتح لي باب العالم الغامض للانفاق .. وأخيراً وجدته.. شاب صغير نحيل الجسم قال لي »أعطني 24 ساعة وبعدها أعدك بأن أحقق لك ما تريد«.. مرت الساعات والتقيته فوجدته مهموما عابسا.. إيه الحكاية أبو أيمن؟ وهذا هو اسمه.. فقال بعد ان وافق ثلاثة من أصحاب الانفاق ان تدخل إلي انفاقهم رفضوا عندما عرفوا أنك مصري.. عدت اسأله: ليه؟! .. قال: خايفين تكون تبع الشرطة وتبلغ عنهم.. قلت ضاحكاً: وكيف أثبتت أنني مش تبع الشرطة فقال أبوأيمن معتذرا »أعذرهم، الانفاق بالنسبة لأصحابها هي حياتهم ولا يوجد عاقل يخاطر بحياته ومصدر رزقه«. وأيضا لم أفقد الأمل وواصلت البحث عمن يضعني علي باب الانفاق. وأخيراً وجدته .. شاب في منتصف العمر تربطه علاقات وثيقة بعدد من أصحاب الأنفاق.. عرض الأمر عليهم فوافقوا علي أن يتركوني اتجول داخل الانفاق التي يملكونها، ولما علموا انني صحفي، وسألتقط صورا داخل الانفاق غيروا رأيهم ورفضوا، وعندها قال صاحبهم الشاب انه ضامن لي وأكد لهم أنني لم أقم بأي شيء يسبب لهم أذي أو اضرارا، فوافقوا بشرط ألا يتم تصوير أي شخص يعمل في الانفاق أو تصوير مدخل النفق من الخارج. وفي طريقي من غزة إلي رفح الفلسطينية حيث توجد الانفاق، رن تليفوني المحمول، وكان علي الجانب الآخر صاحب أحد الانفاق الذي تحدث معي لعدة دقائق مشددا علي عدم تصوير أي شخص ممن يعملون في الانفاق فوعدته بذلك وقبل أن تنتهي المكالمة قال »أعرف انك ستعود إلي مصر فلا تتصور انك ستكون بعيدا عنا انا بنوصل لأي مكان في مصر فلا تنشر صورا تكشف المكان الذي توجد فيه الانفاق التي ستدخلها«.. فقلت »وهذا تهديد يا أبو حمدان - وهذا اسمه؟ - فقال بصوت جاد« لا.. لا.. فقط هذه معلومة وليست تهديدا«. وصلت إلي رفح الفلسطينية، وبعد دقائق كنت أمام منطقة الانفاق.. كانت فتحات الانفاق تمتد علي مدي البصر، وفوق كل فتحة ننفق »تنده« كبيرة من المشمع السميك، أشبه بالصوبة الزراعية، هذه التندة لها عدة أدوار.. أولا تخفي داخلها فتحة النفق، ثم تخفي عن العيون السلع والبضائع التي يتم نقلها داخل النفق. أخيرا انفتح أمامي العالم السري للانفاق.. كانت الساعة قد تجاوزت الثانية بعد الظهر بدقائق قليلة، ولهذا تملكتني الدهشة عندما رأيت سيارات مختلفة الأحجام والأشكال تقوم بتحميل سلع وبضائع من فتحات الانفاق.. وزادت دهشتي عندما وجدت عمليات حفر الانفاق مستمرة، ورأيت بعيني شبابا صغارا يشقون باطن الأرض لحفر أنفاق جديدة. كنت أسير وسط الانفاق والجميع هناك يرقبونني بعيونهم ويرسلون بنظراتهم أولها بالطبع من هذا الغريب الذي يمشي وسط الانفاق! لم يتحدث معي أحد فقط كانت العيون تسأل وتندهش وتتعجب وبدوري لم اتحدث مع أحد وكنت أسير باحثا عن ثغرة أنفذ منها إلي عقول أهل الانفاق. وخلال ساعة تقريبا نجحت في ربط حبال التعارف مع عدد من أهل الانفاق، وساعدني حبهم لمصر في ان أكسب ودهم بسرعة وتحدثنا في أشياء كثيرة عن مصر، الهرم والنيل والتاريخ، وعن المصريين العاشقين لفلسطين، وعن حب الفلسطينيين لمصر، وحاول أحدهم أن يعبر عن مدي حبه لمصر قال »والله أنا بكيت لما فازت الجزائر علي مصر في تصفيات كأس العالم ولهذا لم أشجع الجزائر في المونديال«. معلومات كثيرة ومثيرة أكدها لي من التقيت بهم من أهل الانفاق.. أكدوا ان عدد الانفاق كان قد وصل عام 2009 إلي 1850 نفقا في المنطقة الممتدة من البحر المتوسط وحتي منفذ رفح. وأكد أهل الانفاق ان عدد الانفاق التي مازالت تعمل حتي الآن تبلغ 800 نفق فقط حيث اغلقت الحكومة المصرية عددا من الانفاق من الجانب المصري وقصفت إسرائيل عددا آخر وأغلقت حماس بعض الانفاق أيضاً وهكذا تقلص عدد الانفاق التي تنقل السلع والبضائع وغيرها إلي 800 نفق من 1800 نفق تم حفرها خلال السنوات الأخيرة. قلت: إذن هناك عدوان ثلاثي علي الانفاق.. عدوان جمع ولأول مرة مصر وحماس وإسرائيل. فقال أحد أهل الانفاق.. مصر تغلق أي نفق يتم اكتشافه وإسرائيل تقصف الانفاق التي تنقل سلعا حيوية وضرورية لأهل غزة المحاصرين أما حماس فتغلق أي نفق يتم خلاله نقل مخدرات. وكشف محدثي ان هناك انفاقا يستحيل علي إسرائيل قصفها إذ انها محفورة علي بعد 40 مترا كاملا من سطح الأرض وقالوا ان الانفاق ثلاثة أنواع.. انفاق السيارات وتصل ارتفاعها إلي 2.3 متر وعرضها 2.5 متر أما انفاق البضائع فارتفاعها 120 سنتيمترا وعرضها 80 سنتيمترا فقط في حين ان الانفاق والتي تنقل الجمال والحمير والبقر والغنم والعجول فابعادها 2 متر و1.5 متر«. وأكدوا ان رسوم نقل السلع والبضائع عبر منفذ الانفاق - علي حد قولهم- معروفة للجميع ولا تقبل نقاشاً وتبلغ 400 دولار مقابل نقل الخيول والجمال و300 دولار للبقر و100 دولار للغنم والعجول، أما السيارات فتدفع 1000 دولار مقابل السيارة الواحدة في حين ان السلع والبضائع والمواد الغذائية فيحصل صاحب النفق علي 100 دولار عن كل طن. سألتهم عن موعد العمل في الانفاق فقالوا »الانفاق تعمل 24 ساعة في اليوم وفي كل نفق يعمل ما بين 12 إلي 20 عاملا يقسمون علي فترتين كل فترة 12 ساعة ويحصل كل منهم علي 100 شيكل (حوالي 155 جنيها) في اليوم. وقالوا أيضا ان كل الأشياء التي يتم نقلها يتم إدخالها إلي فتحات الانفاق بمصر في ساعات الفجر ويتم سحبها لتصل إلي فتحة النفق في رفح الفلسطينية بعد ثلاث وأحيانا أربع ساعات كاملة حسب طول النفق، مؤكدين ان هناك انفاقا يزيد طولها علي 3 كيلو مترات كاملة. حديثي مع عدد من أصحاب الانفاق سهل مهمتي جدا في دخول الانفاق وكان الشرط الوحيد ممنوع التصوير إلا أمام فتحة النفق فقط أو داخله وغير ذلك محظور وممنوع. البداية وكانت البداية مع نفق بضائع علي عمق 15 مترا من سطح الأرض.. والنزول إلي هذا العمق يتم عبر فتحة دائرية نصف قطرها يقترب من متر ونصف المتر، والوسيلة الوحيدة للنزول عبارة عن »سقالة« صغيرة يتم تنزيلها ورفعها ب »الونش«. جلست علي السقالة ونصحني صاحب النفق ان أكون شديد الحذر وأن أمسك في حبل متدل بطول فتحة النزول إذا ما حدث أي طارئ.. وبدأت النزول.. وبعد ثوان كنت داخل مدخل النفق.. مكان يتسع قليلا عن جسم النفق نفسه فأبعاده حوالي 2 متر * 2 متر وعلي جانبي المدخل مثبت ألواح ضخمة من الخشب لمنع حدوث إية انهيارات. كان مدخل النفق مضيئاً بالكهرباء وعلي أحد جوانبه سماعة تسمع بها كل ما يحدث أعلي النفق وتليفون صغير تتحدث فيها فيسمعك من هم أعلي فتحة النفق. كانت أسلاك الكهرباء تتدلي علي أحد جوانب النفق وتتصل بها مصابيح كهربية موزعة علي مسافات معينة، بمعدل كل 10 أمتار توجد لمبة تضىء المكان وعلي أرضية النفق توجد »واير« صلب ينتهي عند »ونش« صغير يقوم ويصل الي فتحة النفق الموجودة في مصر. كنت مازلت استكشف المكان وفوجئت بانقطاع التيار الكهربائي وتحول النفق كله إلي ظلام موحش، أسرعت إلي التليفون لكي اتحدث مع صاحب النفق ولكني لم أر شيئا وفشلت في الوصول إليه ولهذا توجهت إلي فتحة النفق وهتفت بأعلي صوتي علي زميلي المصور أشرف شبانة الذي كان لايزال أعلي النفق. كنت اهتف ولا أسمع سوي صدي صوتي، ومرت ثوان بثقل الجبال وللحظات كأنها سنوات وشعرت أنني دخلت بقدمي إلي قبري.. إلي مثواي الأخير.. نطقت الشهادتين وعدت أنادي.. »يا أشرف يا أشرف«.. وأخيرا جاءني صوته كان هو الآخر ينادي عليّ.. وقال »الكهرباء قطعت ثواني وهيشغلوا المولد الكهربى«. مرت لحظات أخري وأنا انتظر إضاءة النفق، وبعدها جاء الفرج وأضئ النفق وبدأت ادخل النفق كنت أسير منحي الظهر فارتفاع النفق لم يكن يزيد عن متر واحد فقط علي الأكثر، وكل 300 متر تقريبا تجد النفق يتسع ويزيد ارتفاعه بحيث صرت قادرا علي الوقوف، وشعرت وكأن هذه المنطقة بمثابة استراحة لمن يمر داخل النفق. وفجأة وجدت كومة من التراب تكاد تسد فتحة النفق.. سألت »أبوخالد« - أحد العاملين بالنفق الذي كان يسير معي داخل النفق إيه التراب دا؟ .. فرد بهدوء »هذا جزء من جسم النفق سقط أمس علي اثنين من العاملين بالنفق وهما الآن بالمستشفي«.. قالها أبوخالد بهدوء.. سألته بسرعة: معني هذا ان جسم النفق ممكن أن ينهار في أي وقت.. قال مندهشا وكأنني اسأله عن شيء لا يستحق السؤال طبعا ممكن وزلمات - يقصد رجال - كثير ماتت مخنوقين وغيرهم ما توا من انهيار الانفاق أو من الماس الكهربائي. وكان أبوخالد يتحدث عن الموت خنقا وصعقا ودفنا في الانفاق بهدوء أما أنا فشعرت لأول مرة وكأن الأوكسجين اختفي من الهواء وكأنني غير قادر علي التنفس ولهذا عدت مسرعا إلي فتحة النفق وعندها وجدت فنجانا وبجواره جركن ماء فشربت نصف الجركن! .. وخرجت من النفق.. سحبوني ب »السقالة« المرتبطة بالونش الموجود أعلي النفق. حبل الطوارئ وعندما صرت علي بعد 10 أمتار فقط من سطح الأرض سمعت بوضوح أصوات عمال النفق الواقعين حول فتحة النفق وكانوا جميعا ينصحونني بأمر واحد وهو ألا أمسك حبل الطوارئ وبشكل لا أرادي وجدتني أمسك الحبل ففوجئت به يلتف حول »الواير« الذي يسحب السقالة التي أجلس عليها ولهذا هتف العمال بصوت عال »سيب الحبل.. سيب الحبل« وفعلا سحبت يدي وتركت الحبل ولكنه كان قد أحكم اللف حول السقالة وكادت تحدث كارثة لولا ان العامل الذي يتحكم في الونش زاد من سرعته فسحبني بسرعة إلي أعلي فتحة النفق. كانت التجربة صعبة ولكني تعلمت منها أشياء كثيرة ولهذا كانت محاولتي لنزول نفق ثان أكثر سهولة. النفق الثاني كان نفق بضائع أيضا شديد الشبه بالأول وان كان أكثر عمقا إذ يصل إلي حوالي 18 مترا.. وكان بين النفقين شبه كامل، اللهم إلا ان النفق الثاني كانت جوانبه مكسوه بالخشب وبالتالي فهو أكثر أمنا من الأول. خرجت من النفق الثاني وطلبت دخول نفق جديد يتم حفره فكان ما أردت فوجدت العمال يحفرون الأرض بالشنيور ثم يعبئون ما يخلفه الشنيور في براميل صغيرة من البلاستيك المقوي ويتم رفعها بالونش بعيدا عن فتحة النفق. وفي بعض الأحيان يستخدم الحفارون أدوات الحفر العادي.. فأس وأزميل، وتستخدم كل أداة منها حسب طبيعة الأرض التي يتم حفرها فلو كانت هشة استخدموا الفأس ولو كانت صلبة استخدموا الأزميل ولو كانت صخرية استخدموا الشنيور. كبير الحفارين وداخل النفق اقتربت من كبير الحفارين.. كان شابا نحيل الجسم يرتدي »تي شيرت« أزرق اللون وبنطلون اسود.. قابلني مبتسما وقال »إنت مش عارفني« دققت النظر في وجه قمحي اللون ولكني لم أصل لشيء.. فقلت مبتسما أعذرني« فقال أنا كل الناس تعرفني قلت باندهاش: ليه فقال بفخر لان لي كليب علي اليوتيوب. قلت: كليب؟ .. قال نعم.. كليب كله رقص. قلت إيه حكاية الكليب دا.. أنت كنت بتشتغل في الفن؟ فقال: »لا .. أنا باشتغل في الانفاق من 5 سنين ولكن في يوم من الأيام اشتغلت بشكل لم يسبق له مثيل وفي نهاية اليوم اكتشفت انني ومن معي من العمال حفرنا 13 مترا كاملة من الانفاق ومعني هذا ان الأجر الذي سأحصل عليه في هذا اليوم يبلغ 1000 دولار ولهذا طرت فرحا وأخذت أرقص وارقص وارقص وظللت ارقص لعدة دقائق ودون أن أدري قام أحد زملائي بتصويري بكاميرا التليفون وأنا ارقص ووضع الرقصة علي اليوتيوب«. سألته: وهل أغضبك ذلك؟ فقال ضاحكا: يغضبني ليش.. أنا فرحان وكنت فرحان. وواصل أبوخالد كلامه مفتخرا »أنا أشهر من يحفر انفاق في رفح والحكومة المصرية تتمني ان تقبض عليّ. سألته: لماذا؟ فقال: لأنني حفرت انفاقا كثيرة في سيناء. كيف تحفر في سيناء وأنت هنا في رفح؟ - أنا أبدأ حفر النفق من رفح الفلسطينية حتي إذا اقتربنا من نهايته انتقل إلي رفح المصرية لحفر فتحة النفق هناك. وكيف تدخل
مصر؟ - من الانفاق! وكيف يتم العمل هناك؟ - بمجرد ان أدخل مصر يتم إغماء عيني وبعدها يتم نقلي إلي المنزل الذي سأحفر فيه فتحة النفق وأظل معزولا عن العالم فقط أحفر ولا أخرج من المنزل أبدا وكل ما احتاجه أطلبه بالتليفون المحمول فإذا انتهيت من الحفر عدت إلي رفح الفلسطينية عبر النفق أيضاً. وكم تحصل مقابل حفر كل متر؟ - أنا ورجالي نأخذ 250 دولار عن كل متر حفر. وكم مترا تحفرونها في اليوم؟ - نحفر 10 أمتار كل 12 ساعة. وكم نفقا تهدمت بسبب بناء السور الحدودي المصري؟ - ولا نفق.. فكل ما تهدم أعدنا بناءه والسور اخترقته أنا. كيف؟ - قطعت حديدة. كيف؟ - حاولت في البداية قطعة بكل آلات القطع الكهربائية ولكني فشلت فلما استخدمت الأوكسجين نجحت في قطعه وآخر نفق قطعت حديدة قبل أيام باستخدام الأوكسجين كانت أبعاده 80 سنتيمترا * 120 سنتيمترا. دخولك مصر في النفق يعني انه يمكن نقل الأفراد من سيناء لرفح الفلسطينية والعكس عبر الانفاق.. أليس كذلك؟ - نعم هذا يحدث وكل رجل او امرأة أو طفل يريد العبور عبر الانفاق يدفع 400 دولار لصاحب النفق هنا في رفح الفلسطينية و400 دولار أخري لمن توجد عنده فتحة النفق في سيناء يعني بيعبر ب 800 دولار. ومتي تتوقف عن حفر الانفاق. - لن أتوقف طالما أنا موجود في غزة.. أنا حاولت أن أخرج من غزة إلي أي دولة عربية ولكني لا أستطيع ان أدخل مصر بشكل رسمي وأرفض ان أخرج عبر إسرائيل. لماذا؟ - لانني أعتبر أي تعامل مع إسرائيل خيانة للقضية الفلسطينية. أنت تحب فلسطين إذن؟ - مين ما يحبش بلده.. أنا أحفر الانفاق خدمة لأهل بلدي المحاصرين في غزة وما يحزنني ان بعض التجار يستغلون الانفاق ويرفعون أسعار السلع علي أبناء غزة المحاصرين منذ سنتين. تركت أبوخالد الشاب الذي يحفر الانفاق خدمة لوطنه علي حد قوله: وبدأت في مغادرة المكان بينما السيارات كانت لاتزال تحمل سيراميك ومواد غذائية وصلت لتوها عبرالانفاق الي الشعب المحاصر.. أحد السيارات كانت قد انتهت من تحميل كل ما وصل من أجهزة كهربائية وانطلقت بها إلي سوق رفح حيث تباع كل الأجهزة التي تم نقلها عبر الانفاق.. تباع بشكل معلن وفي وضح النهار.
الوفد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.