لم يعد اليوم بالإمكان أن نترقّب السّياسي خارج وداخل السلطة أو أي مسؤول آخر حتى يتكرّم علينا بالحقيقة، يقطّرها تقطيرا، أو يحجبها إلى أجلها الذي ارتآه، فعمليّة ربط الأحداث وقراءتها بشكل متسلسل قد تعطي في الكثير من الأحيان الحقيقة مبكرا دون الحاجة لانتظار ساعة الصفر التي قرّرها عمر أو زيد . في هذا الصدد يتنزّل الحديث حول حوار السّيد حمادي الجبالي رئيس الحكومة الأسبق والقيادي النهضاوي المتخلّي الذي اجراه مع إذاعة موزاييك أف أم، الجبالي قال كل شيء دون أن يصرّح بشيء ، خاصّة في القضايا الكبرى والملحّة ، والمتابع بدقة للحوار سوف يخرج ليس بترجيح وإنّما بيقين أنّ الرجل قرّر الترشّح لرئاسة الجمهوريّة بشكل مستقل، وهو يحاول اعتماد سياسة "صفر خصوم" للوصول إلى بناء شخصيّة توافقيّة، ويبدو أنّه يحاول البحث عن المفتاح السحري الذي يمكّنه من الوصول إلى قلوب الأغلبيّة الصامتة والمتردّدة والمتأرجحة، وتلك التي اختارت معسكرها على مضض والأخرى التي لا ترغب في ترك هذا حتى تجد ضالتها في ذاك، ويودّ الجبالي لو يمكنه الاستغناء عن ماكينة النهضة برمّتها وإحداث جفوة حادّة معها تقنع خصومها بأنّ الرجل غسل يديه سبعا وثامنها بالتراب، لكنه وبخبرته ومعرفته بالحركة التي عاصرها منذ نشأتها تقريبا يعلم أنّه ليس من اليسير تعويض النقص الحادّ الذي سيسبّبه خسران قواعد النهضة، فتراه يواصل القيام بارتباط بارد تعلوه حالة من التمزّي وشيء من الاستعلاء الوهمي، وكأنّه يقول " هاني مازلت معاكم شنو تحبّوا أكثر من هكّا"، وطبعا مازال الى اجل. الحوار أفصح على أنّ الرجل بصدد الانفصال عن حزبه حركة النهضة مستعملا طريقة فكّ الارتباط التدريجي، وإن كان السّيد حمادي له أن يختار أين ومع من وكيف يصنع تحالفاته، إلا أنّه أفرط في استعمال العامّ لصالح الخاصّ، خاصّة عندما صرّح بما يوافق هوى المعارضة وإعلانه أنّه أخطأ عندما ترأس حكومة محاصة حزبيّة، وهي التسمية التي ترفضها مكوّنات الشرعيّة بحكم أنّ النهضة ومن معها فتحوا الباب لكل الراغبين في الالتحاق بالترويكا لكن الشّابي بدرجة أولى والهمامي ومجموعة القطب الحداثي بدرجة ثانية رفضوا العرض بل تهكّموا عليه، الجبالي استلهم مصطلح حكومة المحاصة الحزبيّة من الجبهة التي كانت تجهز لانقلاب رمضان المسنود بمكتب العباسي والمموّل من الإمارات والمدعوم لوجستيّا من فرنسا ، وماذا عليه لو استنجد بعبارات ومصطلحات بعيدة عن مفردات الثورة المضادة. نصرالدين السويلمي