قدّم السّيد حمادي الجبالي الأحد 23 ماي 2014 استقالته من الأمانة العامّة لحركة النهضة، وتقرّر أن تحسم الحركة أمرها بالقبول أو الرفض بعد إنهاء الاستفتاء الذي ستجريه أيام 28 و29 و30 مارس الحالي، ولم يذكر السّيد حمادي الجبالي ولا هياكل الحركة أيّا من الأسباب التي دفعت الرجل للتخلّي عن مهمّته التقليديّة داخل مؤسّسات النهضة ، لكن وبإطلالة على صيرورة العلاقة بن الرجل ومحضنه الدعوي السّياسي يمكن الوقوف على حزمة من الاستدلالات المتينة التي لا ترتقي إلى مستوى اليقين. وقبل ورود الخبر اليقين حول الأسباب والمسبّبات من المصدر، يمكن حصر الأمر في بعض القراءات . قد يعود الاحتمال الأول إلى رغبة الجبالي في التخلّص التدريجي من عبء المسؤوليّة الحزبيّة بإخلاء موضعه القيادي وربما تمهيدا لإخلاء موقعه في الحركة بشكل كليّ، وذلك استعدادا لخوض الانتخابات الرئاسيّة بعيدا عن عباءة التنظيم وكشخصيّة مستقلّة، ويكون بذلك قد لبى طموحه الذي لا يكاد يخفيه حول تقلّد مسؤوليّات أكبر من تلك التي تقلّدها ودخول بناية أضخم وأفخم من تلك التي دخلها ، وبما أنّ لا بناية في تونس أفخم من القصبة غير قصر الضاحية الشماليّة، فإنّ الجبالي لا محالة إن طلب المنصب فلن يطلب غير تلك البناية الفارهة ، ربما يعود ذلك إلى تركيبة الرجل، وربما عاد إلى البيئة والمنطقة التي ينحدر منها والتي تعوّدت على خطب ود القصور، أكان بالدبّابة او بالصناديق، باللين أو بالقوة . وفي هذه الحالة سيعول الجبالي على علاقاته المتمدّدة وعلى شخصيّته المرنة وسيستعمل قدرته في التقرّب من الخصوم السّياسيّين والأيديولوجيّين من أجل إنشاء حالة قبول جيدة وكفيلة بإحداث الاختراق خلال السباق الرئاسي المقبل، ولا شكّ أنّ الجبالي سيجد نفسه مجبرا على تخطي بعض الخطوط الصعبة والملغمة كما إنّ نسبة المغامرة فيها لا تساوي الصفر بل ترتقي إلى مستوى المجازفة، ولعلّ أهمّ الأشغال التمهيديّة التي يجب أن يقوم عليها الرجل هو اضطراره إلى إحداث انفصال نقي مع النهضة يتخفّف بموجبه من تبعات الارتباط التنظيمي الذي يعتبر من المكبّلات في هذه المرحلة المتداخلة، ثم القيام بتسويات "جهويّة" مع نظراء لديهم تقاليد المراهنة على الحكم والقصور، يحيد بموجبها ما استطاع من شخصيّات الخطّ الساحلي ذات القدرة التدميريّة الهائلة في مثل هذه المحطات. أمّا الاحتمال الثاني فلا أعتقد أنّ شخصيّة متمرّسة ملمّة بخفايا البيت الداخلي يمكن أن تقدم عليه ، لأنّ كلّ المؤشرات القديمة والحديثة تؤكّد أنّ فكّ الارتباط بعنجهيّة وكبر وبشكل مستفز مع حركة النهضة سيكلّف صاحبه الكثير من الخسائر الفادحة، وسوق الأسماء في هذا الحزب الإسلامي وإن بدت رائجة تتراقص زهوا في رحم التنظيم ، تنتكس فجأة وتفقد بريقها وتصاب بحالة انهيار دراماتيكي حال مغادرة الجسم، حتى إذا عاودت الالتحام دبّت فيها الحياة كأن لم تغادرها من قبل. ولا يمكن للجبالي أن يزهد في وعاء النهضة الانتخابي والتعويل على أوعية أخرى لأمر بسيط ، فالنهضة مهما تآكلت خاصرتها الانتخابيّة تبقى لديها حدود دنيا ورصيد ثابت لا يمكن النزول تحته بحال ، أمّا التعويل على أرصدة أخرى في السّاحة التونسيّة فذلك أقرب إلى العبث، لأنّ الأحزاب التي تبدو منتفخة اليوم وتمشي الخيلاء تهز المشهد وتخترقه ، هي في الحقيقة لا تملك غير غشاء رهيف محدود الفاعليّة والبقيّة ليست إلا كتل من المحتجّين والغاضبين والرافضين والمحبطين، هي كتل رحّالة غير ثابتة، تكبن على جرم حزبي تفش غيظها وترحل، والتعويل عليها كبقيعة يحسبه الظمآن ماء. ثم من هذا الذي يترك رصيدا ثابتا ومحميّة حزبيّة متينة ويذهب لمراودة السبسي والشّابي على التنازل عن بقية اعمارهم ، وكيف لإنسان عاقل بالغ راشد أن يجازف بحياته ويتجرأ ويطلب مباشرة من السّيد محمد نجيب الشّابي التنازل عن حلم حياته، ومن ذا الذي تحدّثه نفسه بإمكانيّة تنازل السبسي عن تحويشة عمره، وكيف يفكر إسلامي للحظة أنّه وبمجرد فكّ الارتباط مع حزبه سيغفر له حمّة الهمامي وسمير الطيّب ومحسن مرزق وسامي الطاهري خطيئة الهويّة وغلطة الثوابت، وهو الذي ثبت عنه بالأدلّة الوضعيّة والأدلّة الشرعيّة والأدلّة الحسّيّة أنّه تردّد على المساجد في كذا مرّة، وتواترت مشاهدته في بيوت الوضوء، وهناك من رآه يركع وقيل أنّه يتمتم في سجوده يطلب رضاء الربّ. نصرالدين السويلمي