المجمع الكيميائي التونسي يسوّي وضعية 47 عاملا بمصنع "المظيلة 1" في مرحلة اولى تطبيقا لقانون منع المناولة بالقطاع العام    الاتحاد الأوروبي يهدد بردّ تجاري على الرسوم الأمريكية الجديدة    الليلة: رعد وأمطار وبرد في قلب الصيف...وتحذير من رياح قوية تصل 80 كم/س!    كيفاش تولّي فقير؟    مباراة ودية: فوز النجم الساحلي على الملعب التونسي    رڨوج" يفتتح مهرجان الحمامات الدولي في دورته 59    البولونية ايغا شفايتيك تتوّج بلقب بطولة ويمبلدون للمرة الأولى    بحث إمكانية مزيد التعاون بين تونس والصين وخاصة في قطاع الطاقة الرقمية والانتقال الطاقي    وزارة الأسرة تعلن عن نجاح 56 من بين مكفوليها في دورة المراقبة لامتحان الباكالوريا    تونس تتسلم 189 حافلة جديدة ضمن الدفعة الثانية من صفقة مع شركة "كينغ لونغ" الصينية    قبلي: الشركة الأهلية "مراعي رجيم معتوق" تشرع في سلسلة من الزيارات الميدانية لمتابعة الوضع الصحي لقطيع الابل والاحاطة بالمربين    11 عرضا فنيا فى الدورة ال45 لمهرجان باجة الدولي من 22 جويلية الى 5 اوت القادم    الحدادي يمضي لنهضة البركان    باجة : تجميع أكثر من 2.5 مليون قنطار من الحبوب منذ انطلاق الموسم    الخليج يشتعل: الحرارة تتجاوز 50 درجة... فهل تصلنا الموجة؟    خبير يُحذّر: تركيبة خطيرة في مياه مجهولة المصدر تفتك بالتونسيين    الترجي الجرجيسي يتعاقد مع اللاعبين خليل القصاب وحسين الرفاعي    سامية الشعري مصدق تتحصّل على البكالوريا في سنّ ال64 عاما وئؤكد أن التجربة أحيت فيها روح الشباب وعلّمتها أن لا حرج مع العلم    برمجة متنوعة في انتظار جمهور مهرجان منستير الدولي    قابس : برمجة ثقافية صيفية ثرية    نهاية الأسبوع.. البحر هائج والسباحة ممنوعة    تشيلسي ولا باريس؟ شكون يرفع الكأس....الموعد والقنوات الناقلة    وفاة عامر غديرة، كاتب دولة أسبق لدى وزير الداخلية    الكاف: الدعوة الى التمديد في مدة الانتفاع بمنحة التسليم السريع لمادة الشعير    محمد المديمغ يمضي مع نادي كرة اليد بجمال    محرز الغنوشي: '' الامطار قد تكون احيانا غزيرة مع هبات رياح قوية أثناء مرور السحب الرعدية''    ''طريق المطار'': بلطي يطرح أغنيته الجديدة على جميع المنصات    شيرين وفضل شاكر يستعدّان لاطلاق أغنية جديدة مشتركة    الدلاع في الكاميونة.. صحي ولا خطر؟..اكتشف السّر    الخبز الأبيض: نعمة ولا نقمة؟    مخاطر كتم العطسة...تعرف عليها    عاجل/ تراجع بنسبة 50% في كميات اللحوم الحمراء بالمسلخ البلدي لهذه الولاية    طيران الإمارات تتصدّر الترتيب العالمي لأقوى العلامات التجارية    القصرين: تواصل تنفيذ برنامج "العطلة الآمنة" للتوعية المرورية خلال الصيف    عاجل/ بعد زيارة الرئيس: تدخّلات ميدانية في سواحل قليبية    عاجل/ اصطدام سيارة بمحل حلاقة وهذه حصيلة المصابين    هند النعيرة: اسم لامع في عالم موسيقى "القناوة" يتجاوز الحدود الجندرية والثقافية ويلهم الأجيال القادمة من النساء    مهم للناجحين في الباك 2025: كيفاش تاخو كلمة السر للتوجيه الجامعي؟    عاجل/ تحذيرات من زلزال قريب يدمّر كاليفورنيا    تحت مظلة الأمم المتحدة... مؤتمر "حل الدولتين" يُعقد أواخر الشهر الجاري    التمديد مجدّدا في منحة تسليم الشعير الى حدود هذا الأجل..#خبر_عاجل    عاجل/ السجن 20 عاما ضد كاتب عام سابق بنقابة الحرس الوطني من اجل هذه التهم    الدوري الماسي – ملتقى موناكو: التونسي محمد أمين الجهيناوي في المركز الثامن بسباق 3000 متر موانع    من الكراء للملكية... مشروع قانون جديد على طاولة مجلس الوزراء بش يسهّل الحلم بالمسكن للتونسيين !    شهداء في قصف متواصل على غزة منذ فجر اليوم.. #خبر_عاجل    عاجل/ عاصفة قبلي وتوزر: مهندس بالرصد الجوي يقدّم تفسيرا للظاهرة    ليفربول يودّع جوتا: حجب القميص رقم 20 وتكريم غير مسبوق    لافروف: نحذر الولايات المتحدة وحلفاءها من خلق تهديدات أمنية لروسيا وكوريا الشمالية    عاجل/ البنتاغون: صاروخ إيراني أصاب قاعدة "العديد" في قطر    ترامب يكشف عن طريقة جديدة لتسليح أوكرانيا    تاريخ الخيانات السياسية (12) بين الحجّاج و ابن الأشعث    منظمة الصحة العالمية تكرّم سعيّد    ديوان الإفتاء يصدر مجلة "فتاوى تونسية "    علاقة وثيقة بين النوم والعمل..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    التوانسة الليلة على موعد مع ''قمر الغزال'': ماتفوّتش الفرصة    شنية سرّ السخانة في جويلية.. بالرغم الي أحنا بعاد على الشمس؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في ذكرى وفاة الشابي
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

ترك الشابي أثرا بعيدا في الشعرية العربية الحديثة لا يمكن إنكاره. وفي سياق هذه الشعرية يمكن أن نقرأه حقا، فلم تكن للشابي صلة تذكر بالشعر التونسي في الثلث الأول من القرن الماضي، وإنما علاقات بأفراد يقاسمونه رؤيته بنسبة أو بأخرى. وأقربهم إليه وهو محمد الحليوي كان مثقفا أو ناقدا جرّب الشعر، ولكنه سرعان ما انقطع عنه، ولعلّه أدرك أنّه فنّ صعب ليس بميسور واحد مثله أنه يطاول فيه الشابي او يجاذبه مكانته الشعرية.
كان الشابي إذن شاعرا عربيا بالمعنى الثقافي العميق للكلمة، وليس بالمعنى السياسي او القومي الذي لم يكن يعنيه في شيء. وخير دليل لذلك أعماله الشعرية والنثرية. فكتابه «أغاني الحياة»، وأنا أصرّ على كلمة «كتاب» بدل «ديوان»، عمل شعريّ يقوم على علاقة حميمة بين الرؤية والتصوّر، وليس مجرّد قصائد متناثرة لا رابط بينها كما هو الشأن في اكثر مجاميع الشعر عندنا. والانتقال من القصيدة الى «العمل» الشعري، هو في ما يقرّره المعاصرون = وفي كلامهم مقدار كبير من الصواب = أحد اظهر ابدالات الحداثة وملامحها. وليست الحداثة مفهوما كما يقع في ظن كثير او قليل منّا، بل ليس لها قوانين ولا نظريّة إذ لو كانت كذلك لأصبح بامكان أي منا أن يكون حديثا بمجرد الاحتكام الى جملة من القواعد والأحكام او القوانين. وتاريخ الفن يعلّمنا أن الاحتكام الى نظرية لا ينجم عنه سوى «الغرق في الفن الميكانيكي» إنما الحداثة سمات وملامح ومنطق. وإدخال الشابي أدرك هذا الجانب بكثير من الوضوح. ولذلك ربط تجربته بالتجارب الشعرية الرائدة في عصره... تجربة شعراء المهجر وجبران تحديدا، على حين ظل معاصروه من التونسيين يكتبون بلغة «نيئة» لم تمسسها نار العصر. ولعل كتابه «الخيال الشعري عند العرب» يضمر ردّا على هؤلاء الذين تعقّلوا الشعر تعقّل العقول المنتظمة بحسب المتعارف أو المأثور في نظريّة العمود الشعري. ربّما لم يكن الشابي جريئا، فلم يذكرهم بالاسماء، ولكن يكاد لا يساورني شك في أنه كان يعنيهم. وممّا يؤكّد ذلك نص آخر للشابي قلّما تنبّه إليه الدارسون وهو محاضرته عن «شعراء المغرب الاقصى» التي أعدّها على ضوء قراءته لكتاب محمد بلعبّاس القباج «الأدب العربي في المغرب الاقصى» الصادر عام 1929، فقد أشاح الشابي عن تقديم الجزء الاول من هذا الكتاب المخصوص ب «طائفة من شيوخ المغرب الاقصى»، وكأنه كان يشيح عن شيوخ الشعر التونسيين في عصره، لأنه كان ينشد «العظمة الشعرية المنتجة التي لا ترضى بغير العالم مقعدا وبغير الانسانية اتباعا» بعبارته. وكتب «سأتحدّث عن هذا الجزء الثاني من الكتاب، هذا الجزء الذي لا يفيض الا بنزعات الشبيبة وأحلامها، هذا الجزء الذي يمثّل لنا الحياة المغربية الحاضرة بما لها من مطامح وآمال ورغبات ونوازع، هذا الجزء الذي لا يضمّ الا اشعار الشباب المغربي الطموح: هو الذي أريد أن أتكلّم عنه الليلة بما استطيع لان أغاني الشباب وأحلامه هي عنوان حياة الشعوب». ويتعزّز انطباعي أكثر عندما أعود الى مذكّرات الشابي، فقد حاول ان يكون فاعلا في المشهد الثقافي التونسي، لكنه سرعان ما أدرك «مصيبة المشاريع التونسية» بعبارته اذ «يندفع القائمون بها في العمل اندفاعا كلّه شغف وشوق واخلاص، ولكنه لا يدوم. فإنه لا يلبث الا قليلا حتى يخبو أواره، وتركد ريحه، وينصدع شمل الجميع...» وأظن أن حياتنا الثقافية لا تزال تعاني الكثير مما ذكره الشابي، فقد تأسست لدينا، منذ الاستقلال، دور الثقافة والنشر والنوادي والمهرجانات والجمعيات... ولكنها وهذه حقيقة ينبغي أن نصدع بها «واجهات اكثر منها مشاريع ثقافية متكاملة. وليس أدلّ على ذلك من أن الشابي استطاع بمفرده ان ينقل نصّه الى أفق المشهد الثقافي العربي، على حين لا نزال نحن رغم كل هذه المشاريع واقفين على تخومه.
حقا تبقى من الشابي أسئلته الحارقة... ومنها أتعلّم شخصيا كيف تنعقد الاصرة بين «اللهب» او النظام الصادر عن فوضى الاشياء و»البلور» أو النظام المنظم ذاتيا... فربما كان هذا هو الميزان الذي حفظ لشعر الشابي شعريّته! ربّما!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.