وأنا أقلب بعض الوثائق عثرت عرضا على مجموعة من القصائد الجميلة لشعراء ألمان عربها في أواخر العشرينات من القرن الماضي الدكتور محمد صبحي أبو غنيمة وقد يكون نشرها في كتاب سماه «صحيفة من الشعر الألماني» في تلك الفترة من الزمن وقد يكون الكتاب صدر عن دار الطباعة الشرقية ببرلين لصاحبها نافع جلبي. والكتاب باكورة أعمال هذه الدار حسب ما ورد في الرسالة التي بعثها عام 1928 صاحب الدار إلى الصحفي الكبير الطيب بن عيسى صاحب جريدتي «الوزير» و»المشير» عارضا عليه تقديم الكتاب والتعريف بمضمونه وقد أرسل مع الرسالة منتخبات من هذه القصائد. أما الذي دفعنا إلى تحلية «باب المكتبة» بهذه القصائد فيتمثل في متانة مضامينها وجمال صياغتها والابداع في تعريبها وكأنها نظمت أصلا باللغة العربية عندما أخضعها معربها لبحور الشعر العربي. القصيد الأول للفيلسوف فريدريك نيتشة ومن كان يعلم أنه كان أيضا شاعرا؟ عنوانه «من أغاني ساراتوسترا Zarathustras Nachtlied ان بي «وجدا» أبى الصمت فلا إن بي «شوقا» إلى الحب، وكم ها هو الليل.. وها نفسي تفيض أنفت، ألا وقوفي مرسلا ها هو الليل. وفي ديجوره ولماذا الصمت في أرجائه وأغاني العاشقين استيقظت فلماذا ترقد الروح إذا؟ بد أن يرفع بالصوت أنينه بلسان الحب قد أبدى حنينه فيضان النهر بالماء الفرات مثلما الينبوع عذب الكلمات تنشد الغدران ألحان الهدير أن نفسي شبه ذياك الغدير وهوت في جنحه، من حالق أنها «أغنية» من عاشق الشعر التونسي الحديث: بحوث ودراسات ماهر دربال / عبد الرزاق القلسي صفاقس 2003 الكتاب قراءة لاتجاهات في الشعر التونسي الحديث ويعني الدارسان بالشعر الحديث وفق ما ورد في مقدمة الكتاب شعراء التسعينات وبداية الألفية الثالثة، وقد اختار المؤلفان على سبيل المثال لا الحصر كما يقولان الشعراء منصف الوهايبي ومحمد الغزي ويوسف رزوقة والراحل محمد فوزي الغزي ونزار شقرون وفوزية العلوي موضوع دراستهم مبررين هذا الاختيار بما تمثله هذه الأصوات من تجارب «تتجه نحو الاختلاف طورا والتمائل طورا آخر بما يجعل مدونتهم الشعرية ملتقى للعديد من المسائل الفنية والفكرية التي تولدت عن ثقافة التسعينات بكل متغيراتها ورؤاها...». وقد تمكن الباحثان من خلال دراستهما لهذه النماذج من أن يقفا على أن الأسئلة التي يطرحها هؤلاء الشعراء تدور حول محاور أربعة أو بالأحرى لها أربعة توجهات وهي «التوجه الاجتماعي والتوجه العربي والتوجه الكوني والتوجه الوجودي». فمن خلال هذه الدراسة استطاع الباحثان أن يكتشفا أن تجربة الشعر التونسي الحديث لم تكن تجربة منغلقة ومعزولة عن بقية التيارات الشعرية في المشرق العربي بل انها استلهمت من المتن الشعري المشرقي من أودنيس في «لغته الصوفية وصوره السريالية وبعده النبوئي» ومن السياب والبياتي في «طريقة تأثرهما بالمثاقفة الأليوتية وبالأبعاد الدرامية التي كشفت عن تشيؤ الإنسان في المدينة» ومن نزار قباني في لغته العربية الجميلة والمبسطة وفي بعض مواقفه من المرأة وعلاقتها بالرجل وبالمجتمع...». وقد أكد الدارسان في هذه الدراسة أيضا على أن هذا التيار من الشعر استطاع أن يبتكر «أدوات شعرية جديدة وبلاغة خاصة ولغة متميزة تمنحه صفة الفرادة والابتكار والإضافة إلى المتن الشعري العربي». الشيخ أمين حسنين سالم: عصر من الطرب لطفي المرايحي الأطلسية للنشر 2003 المكتبة الموسيقية في بلادنا تكاد تكون فقيرة، والكتب التي اهتمت بالموسيقى والطرب تكاد لا تذكر ولذلك كلما طلع علينا كتاب في الموضوع إلا واعتبرناه لبنة لاثراء الأدب الموسيقي. والكتاب الذي نقدمه اهتم صاحبه بشخصية موسيقية عاشت في بداية القرن الماضي وأعطت للطرب العربي الكثير هذه الشخصية هو الشيخ أمين حسنين سالم أو «المطرب الحنون كما كان يحلو للمعجبين به أن يلقبوه ويواصل المؤلف متحدثا عنه».. لقد جمع الشيخ بين الغناء والإنشاد الديني وكان يعد في بداية القرن المنصرم من أهم الأصوات إلى جانب صالح عبد الحي وعبد اللطيف البنا ومحمود صبح والسيد الصفتي وغيرهم.. ولد بمصر وترعرع بها ثم شد عصا الترحال فزار أهم العواصم العربية وغنى بها حتى استقر به المقام في تونس وتوفي بها..». احتوى الكتاب على سبعة فصول اهتم الفصل الأول بمولد الشيخ ونشأته في محيطه الأسري ثم تطرق الفصل الثاني إلى كيفية دخول الشيخ إلى رحاب الفن وخاصة لقاءه بزكريا أحمد والقصبجي وما غناه لهما من أدوار. أما الفصل الثالث فقد أفرده المؤلف لستيديو «بوليفون» وما أنجزه من تسجيلات للشيخ المطرب أمين حسنين. الفصل الرابع خصصه الكاتب إلى رحلات الشيخ في بلاد الشرق هذه الرحلات التي انطلقت عام 1932 بسفره إلى دمشق ليحيي بها حفلات ويبرم عقودا كثيرة لانجاز تسجيلات مختلفة وبعد سوريا سافر الشيخ إلى الأردن ليقدم فيها أنشطة موسيقية مختلفة ويرجح المؤلف أنه تحول بعد ذلك إلى بغداد وقد أقام بها عدة حفلات. وأفرد الفصل الخامس لرحلة الشيخ الأولى إلى تونس التي تمت سنة 1938 مع دخول شهر الصيام الذي شكل فرصة للشيخ بأن يحيي بمقهى «الجليز بالحلفاوين» عدة حفلات لينتقل فيما بعد إلى مراكش ليعود بعد ذلك إلى تونس. الفصل السادس تحدث فيه الكاتب عن عودة الشيخ إلى القاهرة واستعرض نشاطه بها أما الفصل السابع فقد تابع رحلة الشيخ الثانية إلى تونس التي تمت سنة 1958 وبها استقر إلى أن توفاه الأجل يوم 5 جويلية 1968 . المدرسة الحربية بباردو الدكتور محمود عبد المولى تونس 2003 اهتم الكتاب بأثر من أثر الاصلاحات التي عرفتها تونس خلال القرن التاسع عشر ونعني بذلك «المدرسة الحربية بباردو» التي أسسها أحمد باي في 5 مارس 1840 وذلك بغية تدريس العلوم الحربية والرياضيات والهندسة والجغرافيا والتاريخ واللغات الأجنبية. والكل يعلم الدور الذي لعبته هذه المدرسة في مجال التحديث والاصلاح في تونس في تلك الحقبة من الزمن. يتألف الكتاب من ثلاث مائة وثلاث صفحات بها خمسة فصول. اعتنى الفصل الأول بحركات الاصلاح والتحديث في الدولة العثمانية وخاصة في كل من مصر وتونس ويعد الفصل كما يشير إلى ذلك الكاتب الاطار الحضاري العام للدراسة. أما الفصل الثاني فقد كرسه مؤلف الكتاب للحديث عن تأسيس المدرسة والغاية منه وتطرق فيها إلى مسيرتها والأساتذة الذين تداولوا على التدريس بها وكذلك مواد الدراسة والكتب المترجمة ومن ترجمها كالجنرال حسين ومحمد بالحاج عمر وغيرهما. أما الفصول الثلاثة الباقية فهي الفصول التي اعتنت بتحقيق نصوص مخطوطة لها صلة بالمدرسة وبنشاطها. وقد تضمنت هذه الفصول تباعا تقريرا بالعربية (التقريبية) عن المدرسة الحربية أعده الفرنسي أرنست دي تافرن (Ernest de Taverne) وأطلس وطن صفاقس وجزيرة جربة وجزيرة قرقنة (الكبرى والصغرى) وقراها وما يتصل بها من مراكز العمران وكذلك أطلس مدينة سوسة والمنستير والمهدية وما يتصل بها من مراكز العمران. وقد ضمن المؤلف هذه الأطالس لدراسته باعتبارها من انتاج المدرسة. ولن ننهي هذا العرض دون الإشارة إلى أن الدكتور محمود عبد المولى قد ذيل دراسته بقائمة المصادر والمراجع المعتمدة في البحث وكذلك بفهارس للصور والأعلام والشعوب والأجناس والدول والألفاظ والمصطلحات الحضارية والعسكرية.