رغم تأكيده المستمر أنه ليس رجل سياسة بالدرجة الأولى وإنما مثقف عربي وقصاص إلا أن الروائي إبراهيم أصلان خلال حوار خاص له مع «الشروق» كشف أنه غارق حتى أذنيه في السياسة، وذلك سواء من خلال الإطار العام للواقع العربي أو علاقة الثقافة والفن بأشواك السياسة والجماعات الفاعلة فيها. ويؤكد أصلان أن المثقفين مجرد طالبي غوث في ظل الأنظمة «الأبوية» التي يعيشون فيها وصعوبة المعيشة ويدعو في نفس الوقت الى عدم توجيه اللوم للمثقف العربي لأنه يكاد يكون معزولا ودوره في المجتمع شبه مصادر. وفي الحوار يكشف أصلان ل «الشروق» الحقائق الكاملة وراء البيان الذي أقنعه الروائي صنع اللّه ابراهيم بإصداره بعد إلغاء زيارة مقررة الى المغرب للمشاركة في احدى الفعاليات ويعترف بأن الإلغاء كان لأسباب أخرى غير تواجد وزير الخارجية الإسرائيلي في المغرب ولكنه مؤمن بإصدار البيان وبأهمية ما جاء به، كما يتناول الإبداعات التونسية.. ويوضح أسباب غيابها عن الشارع المصري.. وفي ما يلي نصّ الحوار : دعنا نبدأ في البداية بالسياسة.. ولا خلاف أن الوضع العربي أصبح حاليا متردّيا كيف تنظرون من موقع المثقف العربي إلى ذلك؟ المسألة أننا نتراجع بدأب وهمة «وجدية» من يوم إلى آخر وهي مسألة ليست خافية على أحد حتى أنني لا أعرف إلى أي مدى سيكون هذا التراجع.هناك العديد من الأطروحات في قراءة الوضع الراهن.. منها أن العالم العربي ضحية صراع واستخدام البعض تعبير حملة صليبية من نوع جديد.. كيف تقيّم هذه الأطروحات وهل تميل إلى واحد منها بالتحديد؟ هذه موضوعات سياسية مباشرة وكما يعلم الجميع أنني لست رجل سياسة في المقام الأول ولكن أنا لدي يقين بأن أسباب تدهورنا راجعة إلى أسباب خاصة بنا نحن (أسباب عربية) ولست ميالا الى رد كل ما نعانيه من مشاكل الى قوى خارجية ففي المحل الأول نحن لم نفعل ما يليق بنا أن نفعله ولدينا مشكلات شديدة على رأسها قضية الديمقراطية حيث نقع تحت وطأة أنظمة «أبوية» والطاقة الخلاقة للشعوب العربية تكاد تكون فعلا مصادرة بسبب أن ثمة أ نظمة حاكمة تفكّر بدلا من الناس وتتخيل بدلا من الناس وتقرّر مصائرهم وأنا لديّ إيمان بأن ما نعاني منه من مشاكل حقيقية هو مسؤوليتنا نحن في الأساس. دور المثقف وما هو إذن دور المثقف العربي في هذه القضية؟ أولا : لا يليق بنا أن نحمل المثقف ونوجه له اللوم باعتباره يمتلك قوة قادرة على التغيير الحقيقي وأنه لا يستخدمها.. المسألة مرهونة بأننا نعيش في عالم يعاني من أزمة ديمقراطية حقيقية والمثقف رغم كل شيء شبه معزول عن مجال التغيير الحقيقي ودوره يكاد يكون شبه مصادر. ومن الذي يكون صادر هذا الدور ؟ إن المثقف في نهاية الأمر لا يمتلك غير أفكاره وفي ظل أوضاع يعيش فيها المواطن البسيط صراعات شبه يومية أو صراعات هي فعلا يومية من أجل توفير احتياجاته الأساسية حتى يحافظ على بقائه كإنسان حي، وهذا المواطن من غير المتوقع منه أن يعطي أذنا لما يقال ومن هنا وهناك فقدان ثقة فيما يصدر عن وسائل الاعلام التي تدافع عن ممارساتها.. وصحف معارضة لا يخلو بعضها من مزايدات لا تقوم على أساس من الإيمان بالحقائق الكبرى ولا تتصدّى لعملية تغيير حقيقية لأن أمامها هامش محدود تفضل استثماره لكي تظل موجودة هي الأخرى وتحقق ما تستطيع تحقيقه. السلطة وهنا عندما نتحدث عن المثقف وارتمائه في أحضان السلطة.. أي سلطة.. فيجب أن تراعي أنه عندما نطلب من مثقف يعمل في مؤسسة ما أن يؤدي دوره، فعلينا نحن أولا أن نوفر له أسباب الحياة والقضية الأساسية قضية أنظمة أبوية.. بلد لمن يملكون ويستثمرون والمساحة الأعرض من بقية الناس مهمومة ومشغولة بالبحث عن لقمة عيشها.. وأضف الى ذلك غياب مؤسسات المجتمع المدني وهي مسألة أساسية تجعل من المثقف مجرد رجل عليه أن يقف في أي ميدان ويصيح طالبا الغوث. والعمل يجب أن يتم عبر مؤسسات من المفترض ألا يقوم أي مجتمع مدني إلا عليها وفي غياب هذه المؤسسات نعيش هذه الأوضاع المتردية، ونقوم بعدها بنسب أسباب هذا ا لتردي لقوى خارجية وهذه القوى ومنها مثلا إسرائيل قوية لأننا ضعفاء وإن كنت لا أنكر وجود الأخطار الخارجية إلا أنها صارت أخطارا بسبب تردينا نحن في أوطاننا وعدم العمل على أن نصبح جزءا من الزمن والعالم الذي نعيش فيه.. وقد آن الأوان لأن يتمتع المواطن العربي بحريته واستقلاله، والأوطان ليست مجرد أغان وأناشيد وهي مرحلة عشتها أنا وأبناء جيلي ولكن الوطن هو المكان الذي يصون لك كرامتك إنسانيا ويحفظ حريتك ويوفر فرصا متكافئة لجميع أبنائه ويخضع الجميع فيه للقانون.. هذه هي الأوطان وهذه هي المعاني التي يجب أن يدافع عنها الناس عند الأزمات.. وعلى هذا فإن الناس الذين رقصوا عند دخول القوات الأمريكية للعراق كان سبب رقصهم أنه لم يكن هناك لديهم ما يدافعون عنه. في الوقت الذي نسمع ونقرأ ونشاهد لك موقفا مع اثنين من كبار المثقفين هما محمود أمين العالم وصنع اللّه إبراهيم برفض الذهاب الى المغرب لوجود وزير اسرائيلي هناك هذا الموقف لم نتعود عليه.. في نفس هذا الوقت نجد البعض لا يهتم ولا يفكر في واقعنا الحالي كيف تنظرون الى ذلك؟ أنا لا أريد أن أعطي هذا الموقف الأخير أكثر مما يستحق. ولكنه في النهاية موقف يضاف الى تاريخك؟ الصراحة تقتضي أن أقول أنني لم أكن سأسافر لأسباب أخرى تماما وقبل إرسال الاعتذار اقترح الصديق صنع اللّه ابراهيم أن نستنكر في رسالة موجهة للسيد وزير الثقافة المغربي وهو الجهة الداعية زيارة المسؤول الاسرائيلي بحيث نعطي لعدم الذهاب معنى أكثر تحديدا ووضوحا.وعلى الرغم من إدراكي لأن البيانات لا تغير شيئا لكنني رحبت بذلك لأكثر من سبب :أولا : نحن نعلم أنه كانت هناك محاولة جماعية عربية تمثلت في المبادرة السعودية التي أقرتها القمة العربية في بيروت بإقامة سلام شامل وعلاقات كاملة بين العرب وبين اسرائيل في سبيل استرجاع الأراضي التي تم احتلالها بعد العام 67 ورغم هذا تعنتت اسرائيل رغم أنها كانت طوال سنوات تعلن إنها تبحث عن السلام ووجدت مروجين لهذه المقولة داخل الوطن العربي للدفاع عن السلام وكأن بقية الناس دعاة حرب.نعم هناك علاقات وشبه علاقات مع الجانب الاسرائيلي ونحن لسنا بغافلين عنها ولكن منذ رفض هذه المبادرة كان واضحا تماما أن اسرائيل تريد إقامة علاقات كاملة وسلام كامل دون أن ترد أي شيء أو تقدم المقابل لهذا السلام. ومنذ هذه اللحظة بدا واضحا خطورة العمل على تطوير هذه العلاقات في أي اتجاه بدون مقابل.ثانيا : هذا التطوير الذي قمنا به جاء في ظل أوضاع بشعة في الأراضي الفلسطينية يتم فيها التدمير الكامل لمقدرات الشعب الفلسطيني والعمل على تصفية قياداته بشكل منظم ويومي، وأخيرا اتخاذ قرار بطرد الرئيس الفلسطيني المنتخب أو تصفيته أو قتله، وفي ظل هذه الظروف كانت المسألة عملية تطوير تتسم بقدر من الخطورة والتغاضي عنها يفتقد الى اللياقة.ونحن لم نقصد من إصدار البيان أن يتم تعميمه وتثار حوله المناقشات.. وإنما هي رسالة احتجاج لأننا حريصون على المثقفين المغاربة وهم في مجملهم وطنيون ولم يكن أحد منا يقصد الإساءة إلى أي فرد منهم على الاطلاق بل رأينا أن رسالة من هذا النوع هي تدعيم لموقف المثقفين الوطنيين وهم جميعا أحباء وأصدقاء ولكن ماحدث أن الموضوع أثيرت حوله ضجة اعلامية كبيرة وجاء ردّ تمّ نشره في جريدة «الحياة اللندنية» وقمت بالرد عليه فورا لأنني تأذّيت من أن بعض المثقفين المغاربة عبروا عن استيائهم منه.. هل العرب في حاجة الى مجلس حكماء عرب يمثل ضمير الأمة على شاكلة حكماء أسبرطة؟! enter الأمة تعيش في ظل ضمير عام «عليل» ونحن لسنا في حاجة الى مجلس حكماء عرب بقدر ما نحن في حاجة الى العمل على أسس مغايرة، ونريد أن نكون دولا تسعى لتحقيق ديمقراطية حقيقية ومجتمع جديد وتسعى للحفاظ على حرية وكرامة المواطن العادي الذي تستنزف حياته سعيا وراء لقمة العيش. ولكن الغريب أننا عندما نتحدث الى المواطن العربي العادي ومهما كانت ثقافته أو تعليمه نلاحظ أن وعيه مرتفع جدا بما يدور من حوله إذن أين الخلل؟ لا أعتقد أن المواطن الذي نتحدث عنه سوف يحقق أي شيء بدون مؤسسة.. الجهد لا بدّ أن يكون منظما في إطار ما ولكن الموجود أحزاب شكلية والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني الموجودة بالخارج وتقوم عليها الأوطان تفتقدها إذن ليس مطلوبا أن نخترع مجتمعا ولكن المطلوب أن ننظر الى المجتمعات التي تقدمت ونحاول تقليدها ونفعل مثلها لكن الحديث عن مجلس حكماء يعدّ خارج الموضوع الأساسي.هل نبدأ من التعليم في عالمنا العربي مع ملاحظة أن دوره تراجع في مهمته التوعوية لتبصير المواطن بأمور حياته؟ التعليم لم يتراجع في كل البلدان العربية ولكن في بعضها يعيش حالة انهيار وليس مجرد التراجع ونحن نريد كما قلت مجتمعا يقوم على أسس ديمقراطية يشارك فيه المواطن في تقرير مصير نفسه أولا والتعليم ليس خارج إطار ما نتحدث فيه. بعيدا عن اشكاليات الثقافة والسياسة هل مازلت تكتب بالورقة والقلم أم اتجهت الى «الكمبيوتر» ؟ لا طبعا تجهت للكمبيوتر. وماذا عما يؤكده الكتاب عن «لذة» اختيار الأوراق وتحضير الأقلام وطقوس الجلوس للكتابة؟ العلاقة بيني وبين الورقة والقلم لم يكن متصورا أن تتغير لأنني كنت أكتب بالقلم الرصاص في يميني والاستيكة (الممحاة) في اليد اليسرى لكن عندما تعاملت مع الكمبيوتر كان أول شيء لفت نظري فيه ليست فقط قدرته على الكتابة ولكن قدرته على المسح وبمجرد إدراكي لإمكانياته اقتنيته مباشرة واكتشفت أنه قادر على خلق علاقة جديدة بالكتابة وأنه لديه امكانيات سوف أكون مقصرا لو لم أستخدمها وأستفيد منها وآخر ثلاثة كتب لي : عصافير النيل خلوة الغلبان وحكايات من فضل اللّه كتبتها على الكمبيوتر وحاليا بعد أن شاركني الأبناء في استخدامه اقتنيت لنفسي آخر محمولا (لاب توب) لا يلمسه غيري فهو كاتم أسراري ومحتو لخلجات نفسي. بعض كتاب الرواية والقصة اتجهوا للكتابة السينمائية والتلفزيونية ويمكن القول أن نص «الكيت كات» كان السبب الأساسي في نجاح الفيلم.. كيف تقيم تجربتك وتجربة الآخرين في الكتابة للمرئي؟ بالطبع ما هو مرئي يتضمن امكانيات تعبيرية عالية جدا ومنذ زمن وقبل الكيت كات كنت عاشقا للسينما ومشغولا ليس فقط بالرغبة للكتابة للسينما بقدر ما كانت رغبة في التعرف على الامكانيات التعبيرية الموجودة في هذا الوسيط بهدف إثراء الوسيط الذي أعمل به.. فأنا لدي ذاكرة بصرية واللغة ليست الوسيط الأمثل للتعبير عما هو مرئي وعندما أعمل تكون مشكلتي مع اللغة هي الرغبة في الوصول الى نص ينتفي فيه فعل القراءة لأنك عندما تقرأ لا تقوم بالقراءة بقدر ما ترى وتسمع وتشم في مواجهة حالة تجسد حياة حقيقية ونصا حقيقيا داخل مشهد ما.. ونحن جميعا نعرف أنه عندما نتعرف على الامكانيات التعبيرية في وسائط أخرى يمكننا من اثراء الوسيط الذي نصل به وكما قلت اللغة ليست الوسيط الأمثل لتقديم ما هو مرئي ولكنها الصورة وإذ ا تعرفت على الامكانيات التعبيرية لوسائط فيمكن استخدامها بشكل جيد لتصبح وسيلتك الوحيدة لإغناء الوسيط الذي تعمل به.من هم كتاب الدراما الذين يحرص ابراهيم أصلان على متابعة أعمالهم المرئية؟ كثير والإنسان يقف عند أعمال قبل الوقوف أمام الأسماء لكن هناك تجربة رائدة لأسامة أنور عكاشة أيضا أعمال محفوظ عبد الرحمان والمرحوم محسن زايد وكذلك أعمال محمد السيد عيد خاصة أعماله الأخيرة وبعض أعمال يسري الجندي وأعتقد أنها ليست مصادفة في أن كل هؤلاء ذهبوا الى دراما التلفزة من بوابة الأدب مثل أسامة الذي بدأ معي كاتب قصة وأيضا محفوظ كان قصاصا حتى الكاتب والسيناريست المعروف وحيد حامد كان قصاصا وكلهم من جيل الستينيات الذين اختاروا الاتجاه الى وسيط آخر حققوا فيه انجازات كبيرة جدا. هل هناك مشاريع أخرى ستتحول الى الوسيط المرئي؟ يقوم السيناريست مجدي أحمد علي حاليا بتجهيز «عصافير النيل» للسينما وذلك لأنني لا أكتب للسينما مباشرة ولا يشغلني إعداد النص للسينما.المعروف أن الأستاذ نجيب محفوظ كان يقول : عندما تذهب روايتي لكاتب السيناريو فلا علاقة لي بها.. هل هذا هو رأيك أيضا؟ لا، ففي تجربة «الكيت كات» كانت هناك بعض الاعتبارات التي كنت أرى أنه من الضروري أن يتم مراعاتها وفي المقابل هناك غيري يبيع العمل وانتهى الأمر أما أنا فلا أوقع عقدا على الاطلاق إلا عندما أعرف كل شيء عن معالجة النص وفي فيلم «الكيت كات» كنت على معرفة سابقة بالمخرج داود عبد السيد وأثق فيه في مرحلة ما بعد الانتهاء من كتابة السيناريو.. ولم أوقع العقد إلا بعد الانتهاء من السيناريو وبصفة عامة أفضل أن يكون عملي موجودا ككتاب في البداية حتى إذا جاءت الأمور على عكس ما نرجو نعود للأصل. ما رأيك في الإبداعات التونسية؟ وهل قرأت بعض روايات لكتاب تونسيين ؟ طبعا.. مثل محمد علي اليوسفي وكان الصديق محمد البساطي قد أتى لي بعدد من قصص صلاح بوجاه عندما كنت مسؤولا عن سلسلة «آفاق للكتابة» وقدمها لي ونشرتها في السلسلة وهناك العديد من الأسماء المهمة والرواد في تونس.ولكن لماذا نلاحظ أن التفاعل خافتا من مصر تجاه تونس خاصة أن المبدعين التونسيين يشتكون من قلّة اهتمام المصريين بهم؟ أنا مثلا نشرت «السد» لمحمود المسعدي وبحثت وعدت الى ما كتبه د. طه حسين في الخمسينيات وردّ المسعدي على طه حسين وتعليق طه حسين على المسعدي وتمّ اضافة كل ذلك لمقدمة الكتاب وكانت هناك أسماء أخرى من المفروض أن ينشر لها في سلسلة «آفاق للكتابة» ولكن كما يعلم الجميع فقد استقلت بسبب أزمة رواية «وليمة أعشاب البحر» ولم نتمكن من الاستمرار في هذه التجربة.في هذا الصدد ومن خلال «الشروق» أطرح عليكم إشكالية غياب الكتاب التونسي عن مصر؟ أنا لا أرى في المكتبات المصرية بالفعل أي وجود للكتاب التونسي ولا أظنّ أن الناشر المصري سيذهب لإحضار الكتاب التونسي كما لا أعلم ظروف دور النشر في تونس سواء من خلال مؤسسة قومية أو نشر خاص وفي كل الأحوال أظن أنه على الناشرين التوانسة أن يبذلوا قليلا من الجهد ولو عبر معارض الكتاب بحيث تتواجد كتبهم وإصداراتهم في مصر كما تفعل بنجاح دور نشر عربية أخرى كثيرة.