شكلت المجالس القضائية التي ستحدث بمقتضى الدستور الجديد للجمهورية التونسية والتي ستنبثق عن المجلس الأعلى للقضاء بصيغته الجديدة على غرار مجلس القضاء العدلي ومجلس القضاء الإداري ومجلس القضاء المالي محور نقاش معمق بين عدد من المختصين في القانون ورجال القضاء باختصاصاته المختلفة العدلي والمالي والإداري، وذلك خلال أشغال الندوة التي نظمتها وزارة العدل وحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية بالاشتراك مع الهيئة الوقتية للقضاء العدلي وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي P N U D وخلال افتتاحه للندوة أكد حافظ بن صالح وزير العدل وحقوق الانسان والعدالة الانتقالية على أهمية المبادرة بالتفكير في صيغ إحداث هذه الهيكلة الجديدة للمؤسسات القضائية التي نص عليها دستور جانفي 2014، مشيرا إلى أن عملية تنظيم مثل هذه الندوات يتضمن في جوهره دلالة رمزية مهمة في إطار الديناميكية التي تشهدها بلادنا في مجال الاصلاحات، لا سيما ان إصلاح القضاء وضمان استقلاله يعتبر شرطا أساسيا لضمان الممارسة الديمقراطية في كل دولة تحترم سيادة القانون ، داعيا القضاة إلى الانكباب على الانشغالات والانتظارات ذات الصلة بطرق إصلاح القضاء في شموليته وعمقه واقتراح الأسس الكفيلة بهذا الاصلاح المتكامل. ،سيما وأن الأحكام الدستورية الجديدة اقتصرت على الإطار المؤسساتي لاستقلال السلطة القضائية، إذ رسم الدستور الملامح الأولية ووضع الخطوط العامة ذات العلاقة بباب السلطة القضائية، أما التفاصيل فستتضمنها القوانين والنصوص التنظيمية التي يجب ان ينتهج إعدادها مقاربة تشاركية لعلها تتجسم من خلال تنظيم مثل هذه الندوات. وذكر الوزير بالوضعية الصعبة التي ظلت تعاني منها السلطة القضائية في تونس طيلة سنوات عديدة جراء تدخلات السلطة التنفيذية في تدبير الملفات القضائية وغياب ضمانات استقلال المجلس الأعلى للقضاء. مبينا أن بلادنا تواجه اليوم عدة تحديات في أفق تركيز دولة القانون التي يبقى من أهم مقوماتها بناء سلطة قضائية قوية ومستقلة. مشددا على ان دسترة مبدإ استقلال القضاء من خلال الاصلاح الهيكلي للمجلس الأعلى للقضاء يمثل تعبيرا جليا على إرادة الدولة في القطع نهائيا مع الممارسات القديمة التي طالما مثلت تهديدا واضحا لكيان السلطة القضائية ووظيفتها الأصلية ألا وهي تحقيق العدالة وإيصال الحقوق إلى أصحابها وضمان الحريات الفردية والجماعية. كما أوضح الوزير أن ثورة 14 جانفي فتحت المجال أمام القضاة التونسيين وكافة الأطراف المهتمة بالشأن القضائي للمساهمة في بناء منظومة قضائية جديدة والدفع نحو ترسيخ الضمانات المستوجبة لاستقلالية السلطة القضائية وذلك بهدف استعادة ثقة المواطن في المؤسسات القضائية ووضع منظومة قضائية قوامها الاستقلال والحياد والنزاهة و متطابقة مع المعايير الدولية . وانتهى الوزير إلى التأكيد على أنه يتعين أن ترافق الأحكام الدستورية مراجعة عميقة للتشريعات القائمة لضمان استقلالية المجلس الأعلى للقضاء، وتقوية النظام الأساسي للقضاة، وضمان حماية قضائية للحقوق والحريات الأساسية، هذا الاستقلال الذي يبدأ الخطوات الأولى نحو تحقيقه بالتفعيل السريع والإيجابي والواضح للمقتضيات الدستورية.