القهوة لم تكن ذات النكهة المعتادة. شيء ما تغيّر في الموضوع، بل الأفق كلّه يبدو عاجزا عن إعطاء أي تنبؤ من التنبؤات. الأفكار التي كانت متروكة في الدرج الثاني من مكتبه وهو الدرج الذي يقفله بمفتاح ألحت عليه ذات مساء للإطلاع عليها من جديد. سنوات عشر أو أكثر مضت على تلك الأوراق المشتعلة، تبدو من أول وهلة هادئة ساكنة كمجرى نهر وديع في يوم من أيام الصيف ولكن ما أن تسترسل عيناك بين الحروف والكلمات والجمل حتى تتصاعد داخلك هواجس لها من المتعة الشيء الكثير ولكن لها كذلك من اللون الأحمر المقدار الأكثر والأكثر. يطالعك العراء عبر تلك الصفحات ولكن تطالعك كذلك الأشكال الرديئة الكثيرة التي تغطي ذاك النقاء على أرض الواقع. طاولة خشبية رديئة اتكأ عليها بواسطة منكبه، من هنا وهناك سيكون كأنه لم يكن. الساعة ذات الحزام الأسود تشير الى الحادية عشرة، الشارع صاخب جدا بالحركة.. الأجساد المتلفة حول أوراق اللعب والأخرى المندسّة في السيارات وتلك الهائمة أمام الصور المتحركة التي غدت تقريبا مصدر المعرفة الأوحد. أحسّ برغبة حارقة في الاحتراق.. كان دائما يأتي متأخرا رغما عن رغبته الأكيدة في أن يكون دوما في الموعد. الطاولة على الرصيف وللقهوة هذا الصباح مذاق غير اعتيادي. هل من الصعب عليّ تخيل تاريخ غير التاريخ؟ الرداء الأحمر كان يهفهف على ساقيها، عارية ولكنها غير عارية مثل أوراقي تماما. تقدم فجأة ناحية الحانوت المجاور للمقهى، اشترى علبة سجائر وعلبة شكلاطة. نظر إليها من جديد فوجدها قد ابتعدت كثيرا. هرول إليها وما أن وصل حتى كانت تقف فجأة وتتحدث الى رجل ضخم أنيق أربعيني.. توقف في مكانه وسط الرصيف الى جانبها. لم يخلق عذرا لنفسه أمام الناس، لم يتكئ على جدار أو عمود كهربائي، كل ما فعله أن فتح علبة السجائر وجذب واحدة ليشعلها. لم تكن الرغبة واحضة كل الوضوح.. الأوراق القديمة خفتت نارها كثيرا وهو الآن يبحث عن معنى للوجود في الجسد الذي غدا حقيقة الحقائق. الأجساد المحترقة في العراق وفلسطين، الأجساد المقهورة بصمت.. الجنس الذي يحاصرنا في كل مكان.. الطبقة العاملة لن يصيبها غير الكبت والغباء أما البورجوازية وحتى الصغيرة منها فلها أن تدير وجهها ناحية الجنس الذي غدا حقيقة الحقائق. نظر إليه الرجل الضخم الأنيق ثم التفتت إليه. ابتسم لها، سألته : ماذا تريد ؟ (ربما تخيلته مجنونا أو معتوها). قال بنبرة حادة وملامح حادة: كنت جالسا في المقهى أفكر في الأوراق القديمة التي مضى عليها زمن طويل والتي كنت أحتفظ بها كمن يحتفظ بكنز. رجعت إليها البارحة. كان التناقض رهيبا بينها وبين الواقع، أدركت أن لا دور لها الآن سوى أنها تعري عن الأشياء وتظهرها كما هي. تصوري أن إيمانا كان لديّ بالحب والوحدة والمستقبل العربي المجيد؟.. إنتابني الحزن لذاك الاكتشاف والنار التي كانت في داخلي أصبحت أتخيلها أمامي. يا للرعب، يا للهول.. بورجوازي مثلي يريد أن يعيش.. أنت هي النار البديلة، أنت هي النار الجميلة المقدسة. النار التي لا تحرق بل تنعش وتبعث في الوجود عطرا زكيا. اشتريت لك علبة شكلاطة. أنت إنسانة رائعة. ضحكت ثم قالت : آوه.. شكرا.. كان الرجل الضخم قد انصرف مبتسما أما هو فقد أصبح هو وهي والأفق الباهت سطعت فيه نجمة بل ربما قمر منير. * هيثم شطورو (صفاقس) -------------------------------------- إلى إمرأة... * الإهداء : إلى من علمتني كيف أبحر في بحار العشق إلى تلك العينين.. التي عشقتهما.. إليك. سرى القلم في البحر.. وسرى الدّم في العروق وعلمت بأنك رحلت عني.. ستظلين في ذاكرتي.. نعم احترقت كالشمعة.. انتهت حياتي.. جفّ قلمي عن الكتابة.. غمسته بدأ يقطر دما!.. تألم من كثرة الكتابة عنك.. كتابات كلها تسأل عنك سيدتي إسحبي سيفك هذا من صدري الذي انغمس بكل حب وتفاؤل.. لكن صعب على الإنسان أن ينسى من أحبّ.. سيّدتي، سيّدتي سأظلّ أحبّك.. سأظلّ مخلصا إلى حبّك.. وسأموت على ذكراك القاتلة! * معز العبيدي (سوسة) ------------------------------------ عذاب الحب لك القلب.. مادام قلبا محبا.. وإليّ الجراح، تنزف ليلا ولا تجفّ صباحا.. إليك السكينة وإليّ الاضطراب، إليك الرّاحة وإليّ العذاب، يا من وجدها في الرأس متاعب وفي الفؤاد شجون واكتئابا عشرون عاما من عذابي.. وحبّك يثير الزّوابع في حياتي يسكر ذاتي مثل الرّاح، عشرون عاما من التهابي وحبّك.. يتعبني.. يرهقني. وأنت.. أين.. أنت.. بين الكؤوس تتجرّعين الإرتياح، سحقا لهذا القلب العنيد.. جاوز حدّه في عصياني * عبد المجيد الرزقي (وادي الليل) ------------------------------------- إلى ذكرى محمد من لأبجدياتها الصّديقهْ؟! منْ لحروفها العاشقهْ ؟ من لأنفاسها والحقيقهْ من للقصيد؟! والجرح المسجونْ يا ريحَ قرطاج يا نزيف اللّغة يا لؤلؤة وتاج يا صوت البلبل المحتاج عاصمة للولاء وكوكبا ما أساء وحلما لا تسعه العيون يا رجّتي ورعشتي إنّك فيّا وإنّك فيهم كمثل الشظيّه كأكبر قضيّة كما النّهر التيّارْ كما الكبرياءْ كالثورة والدّوارْ يا ذكرى يا أبجديات البقاءْ ما أصعب أن لا نختارْ وداعا الإمضاء عاشقة البلبل المغدور وراثية الجسد العائم في بركة الهيستيريا و»فيروس» الجنون حبيبة الصّوت الذي لا يسكت السّاكن بين الحلم والذّكرى بين التاريخ والمستقبل بين الأمس واليوم، بين الحُبّ والحُبّ بين الحياة والرّغبة في الحياة.. وداعا.. وداعا.. * أحلام بوجمعة (طالبة بكلية الآداب بمنّوبة) ------------------------------------- ردود سريعة * أيمن الدغّاري (جرجيس) شكرا على مشاعرك تجاه «الشروق».. ننتظر منك نصوصا أخرى. ودمت صديقا ل»واحة الإبداع». * شادية (القلعة الكبرى) الخاطرة التي وصلتنا تكشف عن موهبة حقيقية ننتظر منك نصوصا أخرى. * بن أحمد (الفالتة) «عبرة» و»الضياع في العذاب» فيهما ومضات شعرية ننتظر نصوصك الجديدة. * عايدة بن رمضان (حمام الزريبة) شكرا على ثقتك في «الشروق» ننتظر منك نصوصا أخرى.