(إلى سركون بولص الشاعر الآخر) العازف في ركنه يعانق عوده بوداعة كأنه يصغي إلى بطن حبلى بينما أصابعه تعذب الأوتار جسد الراقصة تحت الأضواء مستلب تماما يتلوى في البعد الرابع للنشوة حيث لا تباع التذاكر... نحن المتفرجون نبقى هنا مع الكراسي. وخشة المسرح الخالية (أبعاد من كتاب : حامل الفانوس في ليل الذئاب لسركون بولص دار الجمل كولونيا) (1) يمضي النص عند سركون بولص إلى أقصى/أقسى أمكنة حيث تصير اللغة على غاية من الليونة والمتانة مثل الجسد المستلب تماما... يتلوى طيّعا... إنها متاهة الإنسياب بعيدا عن التكلف والافتعال واقتراف آثام الزوائد والزواحف... فاللغة هنا كالنور يضيء في زهد وعطاء فائقين يستقي لحظاته قصائده من كل شيء... مما يبدو للآخرين هامشا وتافها... هكذا غير عابىء بنص الآخرين... نص الاحتفال والضجيج والهالة... على خفة عالية ونحتمل أيضا يمضي مع شيوخ الصين مثلا «ما أدهى الشيوخ في الصين (رأيت هذا في فيلم وثائقي عن تلك البلاد) إنهم هواة الطيور الأسيرة...» يبتكر الشاعر قصائده بكل الأشكال... دون تكاليف واستدعاءات جمالية ولغوبة خاوية... مثل شيوخ الصين في طربهم هذا... «يطرب الشيوخ في الصين دون تكاليف كبيرة....» (2) مذهل نصّك... سركون... أيها العازف في ركنه، أيها العابر في مدينة أمريكية... كيف شرب الرجل قهوته ومضى... كيف إذن تمكث اللحظات وتفاصيلها في القصائد... سوف يسألونك عن هذه الأشياء هم هكذا.... يمكثون في النصوص المطمئنة التي لم ترتكب أبدا فن المراوغة لتبقى الكلمات عارية من معانيها الأولى.... (هو والرسالة والجريدة) عبور في مدينة أمريكية 1993 «شرب الرجل القهوة ومضى يقرأ الجريدة النادل في تأملاته سارح أو ربما يحصي الكراسي ويصغي إلى العاصفة....» (3) يرفس الشاعر النص الحجري (المألوف) بقدميه الحافيتين (اللغة الخفيفة) ويستجمع حكايات الكون الجميلة... النمل، الطائر، الإمبراطور، الفراشة، الغزالة، المغول، الحرائق، السينماسكوب... إلى آخره.... ترى ما الذي يجمع بين هذه العناصر.... إنه نص بولص الذي يتشكل بعيدا عن رأسمال الشكل وبهرج اللغة وحنين الفراغات وبطولات القرون اللاحقة... لا... النص هو غير ذلك... تماما مثل دودة القز وهي تستحيل إلى فراشة تحت شمس الليالي... «لا تكف يده مع ذلك عن الكتابة....» (4) هكذا يمضي الشاعر (ليس إلى) في متاهته الباذخة على شغل دائم في الفكرة واللغة والمعاني هو ليس بالشاعر العازف لنهاياته أو حدود طريقه... إنه السير باتجاه مغاير عكس الانتظارات الرتيبة والمعهودة بحثا عن النص الآخر... نحو وداعات أخرى... كتابات أخرى... والأحوال أيضا... قادمة من محطة أخرى كهذه تركتها ورائي بانتظار قطار لا أريده أن يجيء : كم من الزمن، ساعات، قرون! .... .... هذا ما يقول جدول اللقاء والوداعات. (5) يمضي قطار الحياة... يتخير الشاعر محطاته، ليس كالآخرين... القصائد كالأطفال... كالأحلام... عذوبة فائقة... إنه الشعر الخاص... والشاعر حارس أمكنة... في النصوص... «الطفل في مهده الهادىء، نام وكنت أحمل الفانوس».