عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    عاجل : واتساب يتوقف على هذه الهواتف ابتداءً من 5 ماي... هل هاتفك بينها؟    الرابطة المحترفة الاولى: صافرة مغربية لمباراة الملعب التونسي والاتحاد المنستيري    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    عمدا إلى الإعتداء على شقيقين بآلة حادة ... جريمة شنيعة في أكودة    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    الرابطة الأولى (الجولة 28): صراع مشتعل على اللقب ومعركة البقاء تشتد    بطولة انقلترا : ضربة لآمال فورست في بلوغ رابطة الأبطال بعد خسارته 2-صفر أمام برنتفورد    نسق إحداث الشركات الأهلية في تونس يرتفع ب140% مقارنة بسنة 2024    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    القضية الفلسطينية تتصدر مظاهرات عيد الشغل في باريس    أعوان وإطارات المركز الدولي للنهوض بالاشخاص ذوي الاعاقة في اعتصام مفتوح    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    عيد الاضحى 2025: الأضاحي متوفرة للتونسيين والأسعار تُحدد قريبًا    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    نهائيات ماي: مواجهات نارية وأول نهائي لمرموش في مانشستر سيتى    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستُحدد لاحقًا وفق العرض والطلب    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    "نحن نغرق".. سفينة مساعدات متجهة إلى غزة تتعرض لهجوم جوي (فيديو)    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    "براكاج" حافلة نقل مدرسي ببنزرت.. إيقاف 6 شبان , بينهم 3 قصّر    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    المسرحيون يودعون انور الشعافي    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الليلة: سحب عابرة والحرارة تتراوح بين 15 و26 درجة    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب «طبلبة»: تعريف للمكان والسكان: توضيح وبيان
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

كانت صحيفة الشروق «الغراء» ذات الانتشار الأوسع سباقة للتعريف بكتابنا من طرف السيد رؤوف بن حسن في عدد يوم الجمعة 31/100/2003 كما كانت سباقة في نشر موضوع نقدي صدر للاستاذ الدكتور محمد البدوي في ملحق «الابداع» ليوم الجمعة 16 افريل 2004 وهذا ردنا على بعض التساؤلات التي أثيرت.
أردنا من اصدار كتابنا طبلبة «التقليدية والحداثة في المجتمع العربي» ان يكون شهادة حية عن تاريخ بلدة عاشت كمثيلاتها من المجتمعات السكنية في العالم العربي ماضيا تخللت فتراته محطات حضارية متباينة علت وانخفضت بحسب تفاعل سكانها مع وقائع تشعبت اشكالياتها المادية والروحية والعاطفية والكسبية... إذ «تعاملنا مع البلدة باعتبارها كلا تكامليا تناقضيا لا يمكن فهم الجزء فيه الا بمعرفة الاجزاء الاخرى أي الاحاطة بالكل ولا يمكن فهم الكل الا باجزائه».
ولما كانت دراسة الاجزاء الحضارية تتطلب جهدا كبيرا من لدن باحثين متخصصين في كل منها ونحن لم نكن كذلك، فاننا التجأنا الى الاستقراء الناقص، أي اعتمدنا عناصر كبيرة من الكل، كنا نتمنى ان نحيط بها جميعا، محاولين الخروج من هذا الكل بنموذج تأليفي عن المسار الثقافي الطبلبي في جانبيه التقليدي الذي حاولنا توضيحه وتبيين ما فيه من ايجابيات وسلبيات، والحداثي الذي بدأت تتضح معالمه منذ ان تحول ابن البلدة عن الوسائل العتيقة في كسب رزقه، في مختلف علاقاته بغيره الى استعمال وسائل عصرية، مستوعبا لتقنياته الحديثة، وصاهرا بناها الفكرية في نظام سلوكي جديد، انطلق بموجبه كثير من ابناء المدينة في زرع مشاريع صناعية، كانت في بدايتها بسيطة، ثم تحولت الى معامل ومصانع، أو الى بناء سفن انتاجية كبيرة استقطبت الكثير من اليد العاملة المحلية والنازحة، ونجد ممن ساهم في هذه القفزة الكسبية اصحاب «الكيس» ومجهزو «الفلايك الصغيرة» أو أبناؤهم، لهذا فإن ما اثير من تساؤلات عما جاء في الاجزاء الاول والثاني والخامس من الكتاب سنحاول توضيحه فيما يلي:
أولا: ورد في الفصل الثالث من الجزء الاول ان البلدة مقسمة الى ثلاث فئات، هي فئة البلدية «وهي المجموعة السكنية الاولى بعائلاتها المختلفة التي أسست البلدة قبل الفتح الاسلامي واستمرت معه، تؤسس وتبني الحواضر ولئن كان «البلدية» شديدي التدين حسب ما تدل عليه المنشآت الدينية ومقامات الاولياء الصالحين الكثيرين فانه لم يكن لهم سلف مقدس اذ لم يكونوا احفادا لولي صالح لهذا سماهم المتنفذون قديما ان ينعتوهم ب «زرنية» او «زرونة» وهذه التسمية ليست خاصة بهذه الفئة، وحتى لا يثوروا ولا يغضبوا نقول لهم: «انها تطلق على كل السكان الاصليين المقيمين على الشريط الساحلي الممتد من هرقلة شمالا الى قصور الساف جنوبا».
ب فئة «العياشية» أو «العيايشة» ظهرت بمقدم الشيخ «عياش البكوش» بداية من أواخر القرنين السابع هجري والثالث عشر ميلادي. ومن هذه الفئة انحدرت العائلات العياشية اما تسلسلا قرابيا او انتماء ولائيا.
ت فئة الشبيليات «ظهرت في اواخر القرنين الثامن هجري والرابع عشر ميلادي عند مقدم الشيخ «علي شبيل» ذي الاصل الاندلسي، واستقراره ببلدة طبلبة باقتراح من الفئتين «البلدية» و»العياشية» إذ بعد ان قام هو ومن معه بمدينة القيروان بدا له ان يذهب الى مدينة المهدية ليستقر بها، ولكن عند مروره بالبلدة وجد خصومة صدامية تدور بين الفئتين فاصلح ذات البين، وقرب المتساكنين الى بعضهم مما جعلهم يلحون عليه ومن معه بالبقاء بينهم، إذ هو على بركة كبيرة.
ثانيا: استنكف البعض من تسمية حي البلدية ب «حومة اللوطة» او بالحي الاسفل، فهذه التسمية ليست من وضعنا وانما هي قديمة كما لا يقصد بها الحط من قيم المتساكنين الاخلاقية والاجتماعية والحرفية وانما يعود لانحدار المنطقة تضارسيا اذ كل مياه الامطار التي تنزل على البلدة تنحدر نحوه عبر اودية وسواقي صغيرة لتغور في الكهوف و»الغيران» مثل «غيران الزبدية».
ثالثا: ذكرُنا لبعض الالقاب لم يكن من اختيارنا ولا هي من وضعنا لان اخلاقنا لا تسمح بذلك كما لم نسع لمعرفة معانيها، ولم نبحث عن تاريخ تسمية افراد او عائلات بها، وإنما أتينا بما أصبح دارجا منها على ألسنة الناس تمييزا لهم عن غيرهم والدارج من القول اذا وضع بين ظفرين، تماشيا مع المنهج العلمي، لا يعبر عن رأينا ولا هو من قناعتنا.
رابعا: تأويل بعض الكلمات، والتحامل به علينا هو فهم خاطئ نرجو ان لا يعتمد للاساءة:
أ وردت في الصفحة رقم 128 من الجزء الاول عبارة (مثل عصبية ال «...») فلم نقصد بهذه العبارة ما ذهب اليه المتحاملون من اننا نعتنا القوم ب «عصابة يهود» معاذ الله، ان ننعتهم بهذا النعت اذ التنابز بالالقاب حرام شرعا فكيف نجرؤ على نعتهم بهذا اللقب؟ بل انا اوردناها في محل مدح لان العصبية تعني في اللغة «شدة ارتباط المرء بجماعته والجد في نصرتها والتمادي في الانتصار لمبادئها» (معجم اللغة العربية ص 865 ج2).
ب ورد في الصفحة 187 من الجزء الثاني تحت عنوان: صراع «عْرَبْ» الاكياس مع «عْرَبْ» السفن الصغيرة.
فتسمية اصحاب «الاكياس» واصحاب القوارب الصغيرة ب «عْرب» لم تكن منا، وانما هي تسمية عثرنا عليها في وثائق عديدة استخرجناها من الارشيف الوطني. ثم ان مصطلح «عرب» هو في الاستعمال المحلي لدى البحارة تعني الجماعة ذات «العصبية» التي تجمع افرادها حول هدف او شغل دائم.
خامسا: أوردنا في الصفحات 205 207 208 من الجزء الثاني فقرات، فهمها البعض انها ثلب لهم وحاش الله ان نكون كذلك لان اخلاقنا وديننا واحترامنا للغير لا تسمح لنا بذلك، الا ان ما اودعناه فيها من افكار يخضع للبحث العلمي الاكاديمي في عملية تأريخية اجتماعية لم يكن فيها الصيد ب «الكيس» خاصا ببلدة طبلبة، بل كان منتشرا في كثير من قرى ومدن الساحل. لذا لم نذكر احدا بعينه، ولا جهة بذاتها في هذه الفقرات التي وضعناها تحت عنوان «تأثير الكيس في النمو الاخلاقي والنفسي للاطفال العاملين فيه» بل قدمنا وجهة نظر في سلوكيات قلة من الاطفال، حدثونا بما تعلموه من هوامش «الكيس» دفعتهم الخصاصة او حاجة الاباء لاعانتهم على مصاريف العائلات الفقيرة فشاركوهم ليرفعوا عن المعوزين ضيم الفقر.
ب كان بعض الاباء يدفعون بابنائهم للنزول الى البحر والالتحاق «بالكيس» وكانوا يلحون على «رياسه» قبولهم، فقبلوهم رغم عدم الحاجة اليهم.
ج وان كان «للكيس» بعض التأثيرات السلبية على الاطفال فلم يكن لاصحابه المالكين ضلع في ايحاده وانما التقاء الاطفال، وهم من فئات واحياء مختلفة هو الذي كان يحفز بعضهم للتحدث ب «الكلام الكبير» فيتعلمون من بعضهم لغة مستهجنة احيانا تخاطبوا بها فيما بينهم في الشارع.
سادسا: لا ننكر ايجابية «الكيس» فهي كثيرة منها:
أ كان يستوعب اليد العاملة الكبيرة، في وقت كانت تقل فيه مواطن الشغل وخاصة لما بدأت مياه الابار تميل الى الملوحة في اواخر النصف الاول من القرن العشرين، حيث شحت الاراضي الخصبة عن الانتاج فنزل بعض ابناء الفلاحين الى البحر طلبا للقمة العيش، فوجدوها في العمل «بالكيس». لهذا فإن «للكيس» دورا كبيرا في انتشال الكثير من العائلات الفقيرة وخاصة تلك التي كان لها ابناء يدرسون بالمعاهد الثانوية.
ب وفرة الانتاج السمكي «للكيس» كان يقابلها انخفاض هام في الاسعار كان يحافظ على الطاقة الشرائية للطبقات الفقيرة.
ت عرف اصحاب «الاكياس» خاصة، والبحارة عامة، بالعطاء والكرم اذ كلما توفر انتاجهم، وحصلت «البريزة» الا وعم سكان البلدة غنيهم بما يشتريه من سمك بثمن زهيد، وفقيرهم بما يلحقه من عطاء، حتى اصبح السكان يعيشون ايام فصل الربيع من كل سنة رائحة شواء تعبق من كل منزل...
ث درب العمل «بالكيس» اصحابه المالكين والابناء على حذق نظرية الكسب والاقتصاد وعلى معرفة مواطن الاستثمار، ولهذا لما صدر قانون 30/3/1980 الذي اوقف الصيد «بالكيس» بصفة نهائية كنا نجد مالكيه مهيئين لتغيير اسالب ووسائل كسبهم، إما بتعصير سفنهم وتحديثها لتقتحم عباب اليمّ، فتلتحق بأعماقه باستعمال تقنيات وآليات حديثة. وإما باقتحام ميدان التصنيع ببناء معامل متنوعة الاختصاصات. فساهم هذا التنوع الانتاجي في البر والبحر في جعل طبلبة قطبا اقتصاديا يتنامى باستمرار، فيستوعب عددا هاما من اليد العاملة التي نزح اليها البعض من جهات عديدة من البلاد التونسية.
ج عرف البحارة بالسخاء سواء بقوا يرتزقون من البحر، أو شيدوا مشاريع انتاجية في البر. فهم لا يتأخرون عن المساهمة في المشاريع الخيرية التي شهدتها ولا زالت تشهدها البلدة كالمساهمة في بناء المساجد والمدارس والمستوصفات... أو في تقديم مساعدات تضامنية، كما كان عهدهم خلال معركة التحرير ا لتي خاضتها تونس ضد الاستعمار الفرنسي.
سابعا: كنا نعرف مسبقا اننا سنتعرض الى النقد، وكل نقد لعمل فكري دليل نجاحه، لكن ما كنا نتوقع ان نتعرض الى انتقادات لاذعة احيانا لانا لم نذكر ترجمة فلان ناضل في العمل السياسي، ولم نتحدث عن مشروع فلتان الاقتصادي او رأينا رأيا في نسبة عائلة الى راهب مسيحي عاش في القرن الخامس الميلادي، أو لم نذكر بعض الادباء والشعراء المعاصرين الذين يعيشون بيننا، أو لم ننفض الغبار عن جمعية ثقافية او أدبية أو شبابية عاشت في فترة ما بعد الاستقلال.
لا ندعي اننا اتينا على كل ما يتعلق بمدينة طبلبة في حضورها القديم وفي حياتها المعاصرة وانما اردنا من بحثنا ان يكون نموذجا للتحول من التقليدية الي الحداثة، ومنطلقا لابحاث ودراسات اخرى تكمّل ما نقص عندنا، وتصحح ما اخطأنا فيه، وتثبّت ما صحّ من عادات وتقاليد في الكسب والاطعمة والالعاب والزواج والتطبيب والممات... ولرفع الاشكال عن بعض التساؤلات أبدي الملاحظات التالية:
أ لم نشأ ان نتحدث عن ترجمات لاشخاص ناضلوا في صفوف الحزب الحر الدستوري بعد الاستقلال، اذ لو فعلنا لفتحنا على نفسينا بابا يعسر سده، لأن في طبلبة اكثر من خمسين منظمة وجمعية ظهرت منذ خمسينيات القرن الماضي (القرن 20) الى الان، فاذا تحدثنا عن رئيس احديها مثلا لوجب علينا ان نتحدث عن كل الرؤساء والاعضاء الذين تحملوا المسؤولية، وهم يعدون بالمئات بل بالالاف.
لكن قد نجابه بأنّا ترجمنا للمناضل عبد السلام شبيل، فلأنه الوحيد الذي يمتلك كراسا حيا سجّل به كل الاحداث التي وقعت قبل حادثة 23 جانفي 1952 وبعدها الى ان نالت تونس استقلالها الداخلي، فوجدنا نفسينا مجبرين على ان نتناول حياته بالدراسة مع ايجاز تقديم كراسه وتحقيقه.
ب ان ترجمتنا لبعض الحرفيين التقليديين / الذين كونوا انفسهم من عدم / كانت مدروسة في ذاتها، ومقصودة لغيرها، عساها تكون نماذج سيرورية لمن اراد ان يصنع لنفسه روحا للمبادرة ويحيطها بالمغامرة لاحتراف مهنة تدر علية الرزق الحلال، وتحدث مواطن شغل يستفيد منها طالبو العمل.
كما تحدثنا عن نهضة طبلبة الاقتصادية الحديثة التي شهدتها، وخاصة بعد الاجراءات الرائدة التي اقرها سيادة الرئيس زين العابدين بن علي لدفع عجلة الاقتصاد التونسي نحو التطور، والارتقاء به نحو الامتياز، كتحرير التجارة، والانخراط في الشراكة، والتركيز على منهج التأهيل الشامل، والتشجيع على بعث المؤسسات المنتجة، والتشجيع على الاستثمار والخوصصة... الشيء الذي جعلنا نختار التحدث عن جملة من المصانع الصغرى والمتوسطة، علما وانه بعث في طبلبة ما يزيد عن 100 مصنع خلال العقدين الاخيرين من القرن العشرين، فاخترنا ان نتحدث عن اول مصنع بعث في اختصاصه، ولم ننس ان نوجز ترجمة لمؤسسه او باعثيه.
والمصنع الوحيد الذي قد نلام عن عدم الحديث عنه هو مصنع «كولمار»، لصناعة لوالب السيارات الذي بعثه عبد القادر المرعوي، والمعذرة لعدم ذكره.
ت ذكرنا العائلات حسب التصنيف الذي عثرنا عليه بوثائق الارشيف الوطني بالوزارة الاولى، والتي يرجع تاريخها الى اواخر النصف الاول من القرن التاسع عشر، حيث ضمّنت في ملف ارباب العائلات الذين كانوا مطالبين «بالاعانة»، اي بدفع المجبى، ووجد امام اسم كل شخص الجهة التي جاء منها ان كان نازحا، اما الفقير فكان يُلاحظ امام اسمه انه غير قادر على دفعها. فقمنا بتحليل هذه الوثائق مصنفة حسب فئات السكان الثلاث، ولهذا اجتهدنا ان نذكر عائلات تواجدت بعد التاريخ المذكور، وإذا سهونا عن ذكر بعضها فالمعذرة لابنائها.
ورأينا رأيا في آل «نويرة» مثلا فقلنا: «... هذا يؤكد ان «آل نويرة» من اصل طبلبي، ومن المرجح ان الاسقف «ايانواريوس» كان منهم... فاذا حذفنا البادئة الامازيغية «إي» علامة التذكير، وحذفنا اللاحقة اللاتينية «اوس» نتحصل على الاصل الامازيغي «إنوار» او «إنوارا» او «انويري» الذي عدّل بالتعريب ليصبح «نويرة». فهذا الترجيح لا يعني البته والاقرار النهائي، بل هو وجهة نظر قد تصح وقد تبطل، وفي ابطالها قد نقول برأي الاخ «محمد البدوي» الذي يرى ان «جذور العائلة عربية، وعائلة «نويرة» معروفة منذ الجاهلية والجميع يعرف الشاعر متمم بن نويرة واخاه مالك ابن «نويرة الذي ارتد عن الاسلام وعاد الى الشرك» وقتله خالد بن الوليد اضافة الى وجود العائلة في بلدان اخرى مثل مصر...»
الاشكال المحير في الترجيح هو التحامل الذي ابداه بعضهم والحال اننا لا نعرف جلنا الجهة التي كان ينتسب اليها اجدادنا قبل الفتح الاسلامي. ثم لماذا يقبل البعض بالانتماء الى انسان ارتد عن الاسلام وعاد الى الشرك ولا يقبل بالانتماء الى مؤمن يدينُ بدين سماوي هو الذي بشهر به سيدنا عيسى عليه السلام قبل مجيء الاسلام بستة قرون؟
عجيب، هو امرنا! أنريد ان نعطل الابداع حتى في المجال الثقافي وتونسنا العزيزة ترنو الى الامتياز؟
وعزائي ان اجيبهم بما قاله المفكر ابن طبلبة المرحوم محمود الشبعان: «اذا اردت ان تكرمني فدعني اعمل».
ث ان لم نذكر ادباء وشعراء يعيشون بيننا فليس ذلك سهوا منا، وانما تركنا هذا لغيرنا لانا اهتممنا بمن ظهروا على قلتهم قبل الاستقلال سواء كانوا مفكرين او شعراء. ثم ان اقحامنا في الجزء الخامس لاربع قصائد، اثنتين من الشعر العمودي واثنتين من الشعر الشعبي لاربعة شعراء لازالوا يعيشون بيننا اطال الله انفاسهم فلانهم تغنوا فيها بذكرى حادثة 23 جانفي 1952.
ج اذا لم نذكر في كتابنا جمعيات ومنظمات وذكرنا اخرى فلان التي ذكرناها تأسست قبل الاستقلال حيث التزمنا فيما بيننا بابرازها ونشاطها، لانها، زيادة على اختصاصها، لعبت دورا كبيرا في الحركة الوطنية مثل تعاضدية السعادة الفلاحية، وجمعية النسر الرياضي، واما التي ظهرت بعد الاستقلال فهي كثيرة ومتعددة تتطلب جهدا كبيرا في البحث والتقصي وفي الطبع المثقل للكواهل، فلم نذكر مثلا الخلية الطالبية التي كنت من مؤسسيها الاوائل خلال سنة 1966 اثر حل جمعية البعث الثقافي التي حلت محلها.
ان الملاحظات التي كان علينا ابداؤها ردا على التساؤلات المثارة، عديدة ولكن اكتفي بهذا القدر، مختتما بايراد فقرة من خاتمة الكتاب اي بالجزء الخامس منه:
«... لم تكن التقليدية الطبلبية تقليدية مغلقة بل كانت دائما تجدد شروطها الداخلية، واحيانا تحسّنها واحيانا تتطلب حقولا ومؤسسات جديدة موجودة في التقليدية الحضرية التونسية...».
لم تكن التقليدية الطبلبية تقليدية مغلقة بحيث ترفض استدماج حداثة من خارج النسق الثقافي التقليدي ذي الاطر الموروثة، فقبلت وجود المدرسة الفرنسية / العربية، والظاهرة الحزبية والمنظمات الحديثة، والتحديث الزراعي والمهني عموما.
لم تفرض الحداثة الطبلبية بقرار اجنبي خارجي متهيكل في عنف متعين ا و تأثير جالية، فلم يكن هناك مركز جندرمة ولا جالية اجنبية، وانما كان التأثر بالخطاب التحديثي لزعماء الحزبين الدستوريين وغيرهما من المؤسسات السياسية.
هذه الحداثة تحولت بالمخيال الطبلبي، اذ تعاضد فيها التلميذ الصادقي والطالب الزيتوني، الفلاح الامي والفلاح القارئ، المنخرط في العمل وغير المنخرط».
وأخيرا اقول: «الحوار ينتج معرفة، والمعرفة توطّن الذات، وتثبّت الكيان، وتغرس الايمان بعقيدة التوحيد، أي أنها تؤصل المجتمع وتركز الهوية وتعمق الانتماء الحضاري ان اقبلت على العلم ونبذت الفرقة والحقد والتحجّر».
بسم الله الرحمان الرحيم
«وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون» صدق الله العظيم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.