شهر أكتوبر هو شهر انطلاق الحركة الثقافية والفنية ضمن تواصل لا توقفه فصول ولا اجازات. في هذا الشهر ينشط الفلاح ويعود موسم الخصب الى العطاء وفيه تعود الثقافة والحركة المعرفية لتعلن عن موسمها الجديد. ولئن كانت الثقافة وستظل محور الحضارة وعنوان الهوية فإن طرق إيصالها تغيّرت بما وفّرته وسائل الاتصال الحديثة من انتشار معرفي فرض على المبدع في شتى مجالات الفنون والآداب أن يتعامل معها مستغلا تقنيات العصر المتطوّرة لنشر ابداعه والتعريف به والمساهمة في تطوير وعي مجتمعه والانسان الذي يتوجّه اليه والخروج من الدوائر الضيقة الى عالم أرحب.. ففي زمن تشهد فيه الانسانية نقلة نوعية لم تشهدها منذ اكتشاف الأبجدية وهي نقلة غيّرت من طبيعة العلاقات ومسّت جوهر المعاملات وغيّرت من القيم والسلوك وفتحت أبواب العالم ونسفت نظريّة التخصص والانكفاء على الذات بات ملزما على رجال الثقافة والفكر والمبدعين في شتى مجالات طرق المعرفة أن يعوا حقيقة هذا التواصل الذي فرضه العصر ضمن اطاره الحضاري وأن يعملوا على إيجاد طرق جديدة بين انتاجاتهم المعرفية والفكرية ومجتمعهم وهو مجتمع يخضع لواقع فرضه عصر المتغيرات ويشدّه ارث له حضوره في الذاكرة الجماعية واقع جديد نسف جذور العلاقات الدولية التقليدية وأربك عملية التواصل مع التقاليد والأعراف والقيم والسلوك وسواها من مكوّنات الشخصية والهويّة والوعي بضرورة التواصل المعرفي مع الآخر لا يدخل في علمية التحدث والابتكار والاستجابة لروح العصر فحسب بل يدخل كشرط أساسي في فهم طبيعة هذا الزمن المؤسس لنظريات والباعث لآفاق جديدة. وغياب هذا الشرط هو أحد أهم العناصر التي يقول النقاد أنها ازمة تواصل وايصال بين المبدع ومن يتوجّه اليه بإبداعه يلخصها السؤال المطروح اليوم لماذا لا يستطيع قارؤنا فهمنا والتواصل معنا وفهم ما نكتب ليتفاعل مع هذا التراكم الابداعي ويتأثر ويطوّر وعيه وبالتالي يساهم في فهم عصره ثم تنميه مداركه والاسهام في تطوير وتنوير مجتمعه. هذا هو موسمنا الثقافي الجديد انطلق، نريده موسم التواصل بين المبدع والمجتمع ضمن حوار ثقافي يجعل من الثقافة جسر عبور نحو فضاءات أرحب خاصة بعد أن توفّرت كل الظروف الايجابية لدفع الحركة الفكرية والابداعية.